dimanche 27 novembre 2011

الحُبُك: صور كونية تسبح لله

الحُبُك: صور كونية تسبح الله
إعداد المهندس عبد الدائم الكحيل
كاتب وداعية إسلامي ـ سوريا
طرح العلماء سؤالاً عن شكل الكون: ما هو شكل كوننا الذي نعيش فيه؟ فبعدما اكتشفوا أن مجرتنا ليست هي الوحيدة في الكون، وجدوا أن الكون مليء بالمجرات، وأن هذه المجرات تصطف على ما يشبه خيوط النسيج!
المجرة هي: تجمع من النجوم يحوي أكثر من مئة ألف مليون نجم، ومجرتنا هي مجرة درب التبانة وتحوي هذا العدد الهائل من النجوم، ولو نظرنا إلى السماء في ليلة صافية فإن معظم النجوم التي نراها تنتمي إلى هذه المجرة ولكن هذه المجرة ليست هي الوحيدة في الكون إنما هنالك أكثر من أربع مئة ألف مليون مجرة!
هذه المجرات تتوضّع كما كان يعتقد العلماء عشوائياً يعني ظل الاعتقاد السائد أنها تتوضع عشوائياً وليس هناك أي نظام يربط بينها، ولكن في العام الماضي قام علماء من الولايات المتحدة الأمريكية ومن كندا ومن ألمانيا بأضخم عملية حاسوبية على الإطلاق كان الهدف من هذه العملية معرفة شكل الكون ولكن هذه المهمة تطلبت تصميم كمبيوتر عملاق هو السوبر كمبيوتر.
السوبر كمبيوتر هو جهاز كمبيوتر عملاق يزن أكثر من مائة ألف كيلو غرام وهذا الجهاز يحتاج إلى مبنى ضخم وتكاليف باهظة والعجيب أن سرعة هذا الجهاز في معالجة المعلومات أو البيانات أنه ينجز في ثانية واحدة ما تنجزه الحاسبات الرقمية العادية في عشرة مليون سنة، فتأملوا معي ضخامة هذا الجهاز الذي سموه العلماء بـ (سوبر كمبيوتر).
لقد أدخل العلماء عدداَ ضخماً من البيانات حول هذا الكون فأدخلوا بياناتٍ حول أكثر من عشرة آلاف مليون مجرة وبيانات حول الدخان الكوني وبيانات حول المادة المظلمة في الكون وبقي هذا الكمبيوتر العملاق وعلى الرغم من سرعته الفائقة بقي شهراً كاملاً في معالجة هذه البيانات وكانت الصورة التي رسمها للكون تشبه تماماً نسيج العنكبوت.
إن الذي يتأمل هذه الصورة وما فيها من نسيج محكم يلاحظ على الفور أن المجرات لا تتوضع عشوائياً إنما تصطف على خيوط طويلة ودقيقة ويبلغ طول الخيط الواحد مئات الملايين من السنوات الضوئية، عندما رأى العلماء هذه الصورة أدركوا على الفور وجود نسيج محكم في السماء فأطلقوا مصطلح (النسيج الكوني). بدأ العلماء بعد ذلك بدراسة تفاصيل هذا النسيج وبدؤوا يصدرون أبحاثاً ومقالاتٍ حول هذا النسيج ومن أهمها مقالة بعنوان(كيف حُبِكَت الخيوط في النسيج الكوني) وقد لفت انتباهي في هذا البحث أن هؤلاء العلماء يستخدمون الكلمة القرآنية ذاتها يستخدمون كلمة Weave باللغة الإنكليزية وهي تماماً تعني حبك، وأدركت مباشرة أن هذه الآية تصوّر لنا تماماً هذا النسيج في قوله تعالى (وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْحُبُكِ).
يقول الإمام الزمخشري رحمه الله تعالى: (وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْحُبُكِ: إذا أجاد الحائك الحياكة قالوا ما أحسن حبكه).
إذاً الإمام الزمخشري تحدث عن نسيج تم حبكه بإحكام. والإمام القرطبي تناول هذه الآية أيضاً وقال فيها: (ألم تر إلى النساج إذا نسج الثوب فأجاد نسجه يقال منه حبَك الثوب يَحبِكُه حَبكاً أي: أجاد نسجه)، ولكن الإمام ابن كثير رحمه الله تعالى له تفسير جميل وعجيب ويطابق مئة بالمئة ما يقوله اليوم علماء الغرب! فالإمام ابن كثير يقول: (وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْحُبُكِ) أي: حُبكت بالنجوم، ولو تأملنا المقالات الصادرة حديثاً عن هذا النسيج نلاحظ أن العلماء يقولون: إن الكون حُبك بالمجرات.
تحدث العلماء عن هذا النسيج طويلاً، ووجدوا بأن هذا النسيج هو نسيج مُحكم لأننا إذا تأملنا صورة النسيج الكوني نلاحظ أن لدينا كل خيط تتوضع عليه آلاف المجرات ولا ننسَ أن كل مجرة فيها مائة ألف مليون نجم وهي تبدو في هذه الصورة كنقطة صغيرة لا تكاد ترى فالنقاط الصغيرة في هذه الصورة النقاط المضيئة هي مجرات، ونلاحظ أن هذه المجرات تصطف على خيوطٍ دقيقة جداً وكل خيط يبلغ طوله ملايين بل مئات الملايين من السنوات الضوئية والسنة الضوئية!!
إن هذا النسيج يتحدث عنه علماء الغرب بقولهم إن خيوطه قد شُدّت بإحكام مذهل أي أنه نسيج وأنه محكم وهو أيضاً متعدد، يعني هذا النسيج الكوني لا يتألف من طبقة واحدة، إنما هنالك طبقات بعضها فوق بعض ولو تأملنا الصور التي رسمها السوبر كمبيوتر لهذا النسيج وما فيه من تعقيد وإحكام مُبهر نلاحظ أن الله تبارك وتعالى قد أحكم صناعة هذا النسيج بشكل يدلّ على أنه عز وجل قد أتقن كل شيء، كيف لا وهو القائل: (صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ) [النمل: 88].
السنة الضوئية: هي ما يقطعه الضوء في سنة كاملة، فالضوء يسير بسرعة تبلغ ثلاثمائة ألف كيلو متر في الثانية الواحدة، ففي سنة كاملة يقطع مسافة تساوي: سنة ضوئية واحدة. إن مجرتنا والتي تحوي أكثر من مائة ألف مليون نجم يبلغ قطرها أو طولها مائة ألف سنة ضوئية أي أن الضوء يحتاج حتى يقطع مجرتنا من حافتها إلى حافتها مائة ألف سنة كاملة، فتأملوا كم يحتاج الضوء ليقطع الكون من حافته إلى حافته والعلماء يقدرون حجم هذا الكون بحدود ثلاثين ألف مليون سنة ضوئية، طبعاً هذا الكون المرئي وما بعد هذا الكون لا يعلمه إلا الله تبارك وتعالى.
لو تأملنا كلمة (الحُبُك) نلاحظ أنها تتضمن عدة معانٍ: الشد، والإحكام، والنسيج، وأيضاً تتضمن معاني الجمع لأن كلمة الحبك جاءت بالجمع وليست بالمفرد، يعني الله تبارك وتعالى لم يقل (والسماء ذات الحبيكة الواحدة) بل قال (الحُبُك) وكلمة الحبك هي جمع لكلمة (حبيكة) ولذلك فإن الله تبارك وتعالى قد جمع في كلمة واحدة عدة معانٍ لهذا النسيج، فالنسيج قد يكون محكماً أو هزيلاً وقد يكون قوياً وقد يكون ضعيفاً وقد يكون مفككاً أو مترابطاً، ولكن كلمة (الحبك) تعني النسيج المحكم، و(حَبك) تعني أنه أتقن وأحكم صناعة هذا النسيج وهذا ما يقوله العلماء اليوم يؤكدون أن النسيج الكوني ليس نسيجاً عادياً، إنما هو نسيج محكم وقد شُدّت خيوطه بإحكام.
ومن هنا نستطيع أن نستنج أن الله تبارك وتعالى قد أودع في كل كلمة من كلمات كتابه معجزة مبهرة، ففي كلمة واحدة هي كلمة (الحُبُك) تتجلى أمامنا معجزة عظيمة، هذه المعجزة العظيمة تتضح أمامنا من خلال أن الله تبارك وتعالى عبّر بكلمة واحدة عن حقيقة هذا النسيج، بينما العلماء يستخدمون كلماتٍ متعددة حتى يصلوا إلى النتيجة ذاتها.
من الأشياء الغريبة التي لاحظتها أننا لو جئنا بمقطع من دماغ إنسان مثلاً وقمنا بتكبير خلايا الدماغ العصبية نلاحظ أن الصورة الناتجة صورة نسيج الدماغ تشبه تماماً صورة النسيج وهذا إن دلّ على شيء فإنما يدل على أن الخالق واحد: (اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ) [الزمر: 62].
لماذا ذكر الله تبارك وتعالى هذه الحقيقة في كتابه المجيد؟!
نعلم أن علماء اليوم يندفعون باتجاه اكتشاف أسرار الكون ودافعهم في ذلك حب الفضول وحب المعرفة، ولكن القرآن لا نجد آية واحدة إلا ومن وراءها هدف عظيم. فلو تأملنا سلسلة الآيات في قوله تعالى: { وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْحُبُكِ إِنَّكُمْ لَفِي قَوْلٍ مُخْتَلِفٍ يُؤْفَكُ عَنْهُ مَنْ أُفِكَ) [ الذاريات: 7-9] والإفك هو الكذب، أي أن هؤلاء الذين يفترون على الله كذباً ويقولون إن هذا القرآن ليس من عند الله إنما كلامهم مضطرب ولا يستقيم أبداً، ولو تأملنا سلسلة الآيات نلاحظ أن الله تبارك وتعالى يقول بعد ذلك: (وَفِي الأَرْضِ آيَاتٌ لِلْمُوقِنِينَ وَفِي أَنفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ فَوَرَبِّ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنطِقُونَ) [الذاريات: 20-23].
وهنا نصل إلى الهدف من هذه الحقيقة الكونية: (إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنطِقُونَ)، أي: أيها الملحدون المشككون بكتاب الله تبارك وتعالى كما أنكم لا تشكون أبداً في رؤيتكم لهذا النسيج المحكم، وكما أنكم لا تشكُّون في أنكم تنطقون، كذلك ينبغي أن تدركوا وتتأكدوا أن هذا الكلام هو كلام الله تبارك وتعالى، لأنه لا يمكن لبشر أن يتنبأ بالبنية النسيجية للكون قبل أربعة عشر قرناً.
ــــــــــــ
بقلم عبد الدائم الكحيل
www.kaheel7.com/ar

المراجع :
[1] E Papantonopoulos, The Physics of the Early Universe, Springer,2005.
[2] Volker Springel, Professor Carlos Frenk, Professor Simon White, Millennium Simulation – the largest ever model of the Universe, University of Durham, 2005.
[3] Matts Roos, Introduction to Cosmology, John Wiley and Sons, 2003.
[4] Robert Sanders, "Dark matter" forms dense clumps in ghost universe, University of California, 05 November 2003.
[5] Michael Rowan-Robinson, Cosmology, Oxford University Press, 1996.
[6] Malcolm S. Longair, The Cosmic Century, Cambridge University Press, 2006.
[7] Klapdor-Kleingrothaus, Dark Matter in Astro- And Particle Physics, Springer, 2003.
[8] Neil J C Spooner, Vitaly Kudryavtsev, The Identification of Dark Matter, World Scientific, 2001.
[9] The Age of the Universe, Dark Matter, and Structure Formation, Colloquium on the Age of the Universe St, National Academies Press, 1998.
[10] N Katherine Hayles, Cosmic Web, Cornell University Press, 1984.
[11] Robert A. Simcoe, The Cosmic Web, Americanscientist, Volume: 92 Number: 1 Page: 30, 1.30. 2004.
[12] Maggie McKee, Washington DC, Mini-galaxies may reveal dark matter stream, New Scientist, 12 January 2006.
[13] David Wands, A brief history of cosmology, www-history.mcs.st-andrews.ac.uk, March 1997.
[14] Our own Galaxy - the Milky Way, University of Cambridge, www.cam.ac.uk.
[15] BBC News Onlin, Supercomputer to simulate bomb tests, news.bbc.co.uk, 30 June, 2000.
[16] Palle Møller, Johan Fynbo, Bjarne Thomsen, A Glimpse of the Very Early Universal Web, European Southern Observatory, 18 May 2001.
[17] Tim Radford, A duplicate universe, trapped in a computer, www.guardian.co.uk, June 2, 2005.
[18] Biggest ever cosmos simulation, news.bbc.co.uk, 1 June, 2005.
[19] Heather Hasan, How Mathematical Models, Computer Simulations and Exploration Can Be Used To Study The Universe, p134, The Rosen Publishing Group, 2005.
[20] Manolis Plionis, Spiros Cotsakis, Modern Theoretical and Observational Cosmology, Springer, 2002.
[21] J. Richard Bond, Lev Kofman & Dmitry Pogosyan, How filaments of galaxies are woven into the cosmic web, Nature 380, 603 - 606 ,18 April 1996.
[22] Gemini, Subaru & Keck, Discover large-scale funneling of matter onto a massive distant galaxy cluster, www.gemini.edu, 30 June 2004.

samedi 26 novembre 2011

بَدْء الخَلِيقَة حَقِيقَة أَفْحَمَت المُكَابِرِين

بَدْء الخَلِيقَة حَقِيقَة أَفْحَمَت المُكَابِرِين

هل يُمكن أن تعتقد حقًا أن هذه الحجرة المُرَتَّبَة الأثاث
هي التي قامت بتنظيمه؛ أو أنه قد رتَّب نفسه صدفة
!.
د. محمد دودح
المستشار العلمي بالهيئة العالمية
للإعجاز العلمي في القرآن والسنة
mdoudah@hotmail.com

 
منذ القدم كان هذا الكون العجيب محط تساؤل الإنسان وفضوله؛ وتردد السؤال: هل صنعت الكون حقًّا مصادفة؟, ودافع المؤمنون بالأدلة العقلية أن الوجود لا يمكن أن يصنع ذاته وإنما يشهد بضرورة المُبدع القدير، وظل الملحدون يُرَدِّدُون مقولة الدهريين بلا أثرة من منطق أو علم أن المادة أزلية؛ موجودة هكذا أبد الدهر, والطبيعة تجدد أشكالها بذاتها, ويكشف القرآن الكريم الأساس الواهي لزعم الدهريين في قوله تعالى: ﴿وَقَالُوا مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ وَمَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ﴾ الجاثية: 24, وذكر المتقي المكي في مناقب أبي حنيفة (ص51) مناظرة جرت بين الإمام أبي حنيفة وجماعة من الدهريين الملحدين؛ ونقلت كحكاية وعظية مفادها انتظارهم على شاطئ دجلة بحضور السلطان والحاشية لمجيئه من الشاطئ المقابل ليحاورهم, وبرر تأخره باجتماع بعض ألواح ثبتتها مطرقة بالمسامير بلا طارق وكونت قاربًا من ذاتها؛ اعتلاه وقدم إليهم, فاتهموه بالجنون, فأقام الحجة عليهم بقوله: "كيف تُنْكِرُون صنع قارب بدون صانع ثم تقبلون أن تكون سماء ذات أبراج وأرض ذات فجاج وبحار ذات أمواج من صنع العبث والوهم والمصادفة!"‏.
وقد جاءت الكشوف العلمية في كل مجالات العلوم شاهدةً للقرآن الكريم بالسبق, وأحدث اكتشاف قد نال أصحابه جائزة نوبل في الفيزياء لهذا العام 2011, وهو يعلن أن الكون على مستوى المجرات البعيدة يبدو في توسع يتسارع مع الابتعاد مما يؤكد أن له ابتداء؛ يعني لحظة خلق, وهو ما أعلنته مسبقا نظرية الانفجار الكبير Big Bang وأكده الاكتشاف الجديد باستخدام وسائل أحدث, وقد أسقط علم الفلك فرضيات الإلحاد التي شاعت في القرن التاسع عشر, وصدمت نظرية الانفجار الكبير الإلحاد بتأكيدها أن للكون ابتداء يُعلن بضرورة الخالق كحقيقة يشهد بها كل الخلق, وأيدت الفيزياء علم الفلك أن في الكون منذ البداية إبداعًا يفوق الوصف وتوازنًا يهز الوجدان وتصميم وتخطيط بإتقان يفوق الخيال لا يمكن أن تصنعه مصادفة, ورغم النزوع الإلحادي اضطر الفيزيائي ستيفن هوكنج إلى الاعتراف في كتابه (تاريخ موجز للزمن) دافعًا الفوضى بقوله (ص 140): ليس كل تاريخ العلم إلا التحقق التدريجي من أن الأحداث لم تقع بطريقة اعتباطية بل تعكس ترتيب ونظام ضمني أكيد"؛ وطعن في الإلحاد بقوله (ص 122): "طالما أن للكون بداية فحتما لا بد من خالق", وبالمثل دفع إتقان التصميم في الكون الفيزيائي روس في كتاب (الكون والخالق) إلى الاعتراف أيضًا بقوله صريحًا (ص 123): "عندما أبحث عن إلحادي لأناقشه أذهب إلى قسم الفلسفة في الجامعة؛ لأنه لم يبق في علم الفيزياء Physics شيء يدل عليه".

 
ثلاثة باحثين نالوا جائزة نوبل في الفيزياء لعام 2011
لتأكيدهم توسع الكون وتباعده مما يقطع بأن له ابتداء
.
وبالمثل قال ألفريد هويل: "تقول نظرية الانفجار الكبير بأن الكون نشأ نتيجة انفجار كبير، ونحن نعلم أن كل انفجار يبعثر المادة دون نظام، ولكن الانفجار الكبير عمل العكس، إذ عمل على جمع المادة وفق تصميم وقدرة فريدة لتشكيل المجرات والنجوم والتوابع ونشأة الإنسان على هذه الأرض"، وقال جورج كرنشتاين: "كلما دقَّقنا في الأدلة التي يقدمها الكون المفتوح الصفحات أمامنا واجهتنا على الدوام الحقيقة نفسها، وهي أن هناك قدرة إلهية خلف بدء الخلق وكافة الأحداث"، وقد كتب السير فِرِيِد هويل Sir Fred Hoyle في مقالة نشرت عام 1981 أن: "احتمال الصدفة في ظهور الوجود بتوجيه رشيد يقارن بفرصة قيام سيل يمر بساحة خردة لتتجمع طائرة بوينج 747 صالحة للطيران", والنتيجة التي يقود إليها العلم والمنطق وليس الإيمان فحسب هي أن كل الوجود قد جاء بتخطيط واعي وقصد أكيد, ومن يظل معتقدًا في عصرنا بالفلسفة المادية بعدما دحضها العلم في كل المجالات العلمية عليه ألا يحسب نفسه من المحققين, قال ماكس بلانك: "ينبغي على كل من يدرس العلم بجدية أن يقرأ العبارة الآتية على باب محراب العلم: تَحلَّى بالإيمان", وقال الدكتور مايكل بيهي: "على مدى الأربعين سنة الماضية اكتشف علوم الحياة أسرار الخلية، واستلزم ذلك من عشرات الآلاف من الأشخاص تكريس أفضل سنوات حياتهم, وتجسَّدت نتيجة كل هذه الجهود المتراكمة لدراسة الخلية في صرخة عالية تقول: التصميم المُوَجَّه الرشيد Directed Design Rationally؛ وهو يؤدي حتماً إلى التسليم بوجود الخالق المُبدع", وقد وصف تشاندرا كراماسنغي الحقيقة بقوله: "تعرض دماغي لعملية غسيل هائلة كي أعتقدَ أن العلوم لا يمكن أن تتوافق مع أي نوع من أنواع الخلق المقصود, (ولكني الآن) لا أستطيع أن أجد أية حجة يقبلها العقل تستطيع الوقوف أمام دلائل قدرة الخالق حولنا؛ الآن ندرك أن الإجابة المنطقية الوحيدة لظهور الوجود هي الخلق وليس الخبط العشوائي غير المقصود", وهذا ما يُعلنه القرآن الكريم بجلاء: "سَبّحِ اسْمَ رَبّكَ الأعْلَىَ. الّذِي خَلَقَ فَسَوّىَ. وَالّذِي قَدّرَ فَهَدَىَ" الأعلى 1-3.
كل انفجار يبعثر المادة دون نظام؛ فكيف انتظمت عوالم
النجوم والمجرات بلا إرادة واعية وسبق تقدير وقصد
!.
وقد تجمع اليوم من الأدلة العلمية ما يكفي للقطع بخلق الكون منذ عدة مليارات من السنين، وأن سرمدية المادة وهم، والدليل العلمي يدفعه، وتلاشت الآن تماماً فرضية الكون الأزلي Steady State Theory التي تقول بأن الكون لا مولد له، أي: أنه لا نهائي في الزمان والمكان، رغم أنها كانت هي النظرية المقبولة في الأوساط العلمية حتى منتصف القرن العشرين, ومقتضى الاكتشاف الجديد تأكيد معاينة الآفاق الكبرى للكون في انحسار وتباعد, ومع التباعد تتزايد سرعة الانحسار مثل بالون رُسمت عليه المجرات كنقاط تتباعد مع نفخ البالون, وطالما أن الكون يبدو في توسع فبالعودة للماضي يكون له ابتداء كانفجار توسعت أطرافه له نقطة ابتداء؛ من هنا كانت التسمية بالانفجار الكبير, ولكن التوسعة كانت حين البناء, ومع اكتمال بناء طوابق البيت لا يصح القول بأن الارتفاع والتوسع دائم بلا نهاية؛ فهو أشبه بنفي البداية, والضوء الذي تُصدره المجرات البعيدة محدود السرعة ولذا لا نُعاين من الكون سوى الماضي, وما يبدو من تباعد إنما هو قراءة للماضي البعيد, ولا يمكن لأحد غير الله تعالى معرفة الأحداث الآنية, والمُنزلق إذن قراءة الاكتشاف الجديد على أنه توسع بلا نهاية؛ فهو أقرب لتحايل الإلحاد بالقول بسرمدية الكون ونفي البداية تشكيكًا بحتمية الخالق, وإلاَّ فإن الطرف الأقرب من الكون يُمكننا أن نستطلع فيه مجيء دلائل ارتداد الكون واقتراب النهاية؛ وكمثال تُرصد المَجَرَّة الأقرب مقتربة بسرعة 300 كم\ثانية بخلاف الطرف الأبعد, وإذا كان الطرف البعيد يعاني مما يعانيه الطرف الأقرب ولم تصلنا بعد شواهد اقترابه لبعده الشديد؛ فإن الكون فعلا في ارتداد, والنهاية في اقتراب تمضي بأقصى سرعة مقدرة للانتقال وتأتي بغتة؛ سبقتها شواهد الارتداد لتطوى صفحة الكون المُشَاهد.

بدء الخلق حقيقة علمية أفحمت المكابرين.
وتُقاس الأبعاد فلكيًّا بوحدة الزمن المناسبة وأقصى سرعة للانتقال؛ وهي حوالي 300 ألف كم, فنقول يبعد القمر حوالي ثانية ضوئية؛ أي المسافة التي يقطعها الضوء في ثانية, وتبعد الشمس ثمان دقائق ضوئية, وأقرب نجم Alpha Centauri يبعد 4.37 سنة ضوئية, فلا نشاهد أي حدث كوني إذن إلا بعد وقوعه بفترة تتناسب مع بعده عنا, وما نعاينه في الكون من تباعد المجرات البعيدة إنما هو قراءة لحدث وقع في الماضي وليس قراءة لحدث آني, وفي قوله تعالى: "أَتَىَ أَمْرُ اللّهِ فَلاَ تَسْتَعْجِلُوهُ" النحل 1؛ إعلان صريح بقدوم قوى الدمار وإن لم تصل بعد تسري بأقصى حد مُقَدَّر للسرعة في الخلاء, وهو يزيد قليلا عن سرعة لمح ضوء يُبْصَر في جو الأرض, والحدث الآني إذن محجوب ولا يعلمه سوى المُبدع القدير, يقول العلي القدير: "وَلِلّهِ غَيْبُ السّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَمَآ أَمْرُ السّاعَةِ إِلاّ كَلَمْحِ الْبَصَرِ أَوْ هُوَ أَقْرَبُ إِنّ اللّهَ عَلَىَ كُلّ شَيْءٍ قَدِيرٌ" النحل 77.
والقرآن الكريم يؤكد على قرب ساعة الدمار والخراب وموعد الحساب؛ قال تعالى: (اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ) الأنبياء 1, وقال تعالى: )َزِفَتْ الْآزِفَة) النجم 57, وقال تعالى: (فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً فَقَدْ جَاءَ أَشْرَاطُهَا) محمد 18, وقال تعالى: (يَسْأَلُونَكَ عَنِ السّاعَةِ أَيّانَ مُرْسَاهَا قُلْ إِنّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبّي لاَ يُجَلّيهَا لِوَقْتِهَآ إِلاّ هُوَ ثَقُلَتْ فِي السّمَاوَاتِ وَالأرْضِ لاَ تَأْتِيكُمْ إِلاّ بَغْتَةً يَسْأَلُونَكَ كَأَنّكَ حَفِيّ عَنْهَا قُلْ إِنّمَا عِلْمُهَا عِندَ اللّهِ) الأعراف 187، قال ابن كثير (رحمه الله تعالى): "(وفي كل هذا) يخبر تعالى عن اقتراب الساعة وفراغ الدنيا وانقضائها كما قال تعالى: (أَتَى أَمْرُ اللَّهِ فَلَا تَسْتَعْجِلُوه) النحل 1", ومن الدقة إذن القول بأن الكون على مستوى المجرات البعيدة يبدو للراصد في تباعد وحاله آنيا محجوب, وبدء الخليقة حقيقة علمية قضت للأبد على وهم أزلية المادة وسرمدية الكون؛ وكشفت زيف الإلحاد فطواه الزمن.
 
بدء الخليقة حقيقة علمية قضت للأبد على وهم أزلية المادة وسرمدية الكون.
ولا يفوت المُتَأَمِّل أن التعبير عن التوسع برفع السماء جاء بصيغة الماضي لفعل (الرفع) بلا استثناء؛ مما يقصر التوسع على وقت البناء ويعارض التوهم بالاستمرار بلا نهاية, يقول تعالى: (أَفَلاَ يَنظُرُونَ إِلَى الإِبْلِ كَيْفَ خُلِقَتْ. وَإِلَى السّمَآءِ كَيْفَ رُفِعَتْ" الغاشية 17و18، ويقول تعالى: (وَالسّمَآءَ رَفَعَهَا وَوَضَعَ الْمِيزَانَ) الرحمن 7، ويقول تعالى:( اللّهُ الّذِي رَفَعَ السّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا) الرعد 2، وجاء التعبير عن الرفع بلفظ الخلق بالماضي بيانا لتكامل البناء في قوله تعالى: (خَلَقَ السّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا) لقمان 10، إنه إذن عمل كامل والبناء تام التشييد, والسماء اليوم مرفوعة ومترابطة الأركان, وقد ورد بيان خلقها بالماضي بفعل (البناء) كذلك بلا استثناء, يقول تعالى: ( أَفَلَمْ يَنظُرُوَاْ إِلَى السّمَآءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا) ق 6، ويقول تعالى: (وَالسّمَآءِ وَمَا بَنَاهَا) الشمس 5، وفي قوله تعالى: (وَالسّمَآءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنّا لَمُوسِعُون) الذاريات 47؛ فعل (البناء) بالماضي يفيد التكامل, والصيغة (مُوسِعُونَ) من السعة في القدرة, وهي غير الصيغة (مُوَسِّعُون) من التوسعة في الحيز؛ أي نوسعها دومًا, وقوله تعالى (عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ) البقرة 236؛ يُرَجِّح أن لفظ (مُوسِعُونَ) أي قادرون على إعادتها كما هو قول جمهور المفسرين مصداقًا لقوله تعالى( كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْدًا عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ) الأنبياء 104, قال ابن عباس (رضي الله تعالى عنهما): "(وإنا لموسعون): لقادرون", وقال مجاهد: "معناه يسع قدرتنا أن تخلق سماء مثلها", وقال الرازي: "وبناء السماء دليل على القدرة على خلق الأجسام ثانيا", وفي تفسير قوله تعالى: (أَأَنتُمْ أَشَدّ خَلْقاً أَمِ السّمَآءُ بَنَاهَا. رَفَعَ سَمْكَهَا فَسَوّاهَا) النازعات 27و28؛ تعبير رفع السمك بالماضي يعني التوسع في مرحلة التكوين قبل أن يستقر الكون ويكتمل البناء, قال ابن كثير: "قوله تعالى (بناها) فسره بقوله (رفع سمكها فسواها) أي جعلها عالية البناء.. مكللة بالكواكب (والنجوم)", وقال الرازي: "المراد برفع سمكها شدة علوها", وقال السيوطي: "رفع بنيانها", وقال أبو السعود: "رفع سمكها.. أي جعل مقدار ارتفاعها من الأرض.. مديدًا", وقال الألوسي: "فالمعنى جعل ثخنها مرتفعا في جهة العلو", فتأمل الدقة في التعبير عن قضايا تتعلق بالكون الكبير تفوق أفق المعرفة في بيئة التنزيل؛ وبتلطف لا يلفت عن الغرض!, ويكفي القرآن الكريم لفت النظر إلى شواهد بدء الخلق على مستوى الكون الكبير ليستبين الفطين قدرة الخالق, قال تعالي: ﴿قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ثُمَّ اللَّهُ يُنْشِئُ النَّشْأَةَ الْآخِرَةَ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ 29 العنكبوت: 20, ويكفي إعلان القرآن عن خفايا التكوين قبل أن يدركها بشر كدليل حاسم على التنزيل, وهكذا يجد المُتَأَمِّل في الكتاب الكريم من المضامين ما يسبق بكشف قصة الخلق على مستوى آفاق التكوين على نحو يتفق تمامًا مع الكشوف العلمية مصداقًا لوعد أكَّده القرآن الكريم في مثل قوله تعالى: ﴿سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ﴾ فصلت: 53.
رسم يوضح بدأ الكون بعد الانفجار العظيم الذي يعتبر بداية الكون
وعندما يكون مصدر موجة صوتية أو ضوئية مقتربًا تتضاغط أمامه الموجات ويتزايد ترددها بينما تتخلخل إذا كان مبتعداً, ويُعرف هذا بتأثير دوبلر Doppler Effect, وبرصد انحراف خطوط الطيف نحو الجانب الأحمر Red Shift اكتشف إدوين هابل Edwin Hubble عام 1929 أن المجرات العظمى تبدو في تباعد تتزايد سرعته مع البعد بمعدل ثابت سُمِّيَ بثابت هابل Hubble Constant, ومع بلوغ سرعة التباعد قيمة سرعة الضوء لا يُشاهد الضوء القادم ويَتَعَيَّن حد الكون المُمْكِن الرَّصد؛ وبالتالي يُمكن تقدير عمر الكون وفق قانون هابل (عمر الكون = {سرعة الضوء × مليون} \ثابت هابل), وباعتبار ترواح قيمة ثابت هابل بين 30 و20 كم\ثانية يكون عمر الكون في حدود 10 إلى 15 بليون سنة, وفي عام 2001 قَدَّر تشارليس بينيت Charles Bennett للكون العمر: 13.75 بليون سنة, ومن العجيب أن تُستنتج نفس القيمة تمامًا إذا اعتبرت أيام الخلق الستة في القرآن الكريم تمثيل لمراحل متطاولة يُمكن تقسيمها لمراحل ثلاث كل مرحلة تُمَثَّل بيومين, وأن العمر الجيولوجي للأرض 4.75 (4.5 - 5) بليون سنة, واكتمالها منذ حوالي 0.25 بليون سنة؛ فيكون بدء الخلق منذ: 13.75 بليون سنة, بينما استنتج الأسقف جيمس أوشرJames Ussher (1581-1656) من الأسفار أن بدء خلق العالم ليلة الأحد 23 أكتوبر عام 4004 ق.م, واختار القس لايتفوت Lightfoot (1602- 1675) عام 3929 ق.م؛ أي بعد نشأة الحضارة بقرون.
وخلاصة القول أنه منذ إعلان هابل Hubble عام 1929 أن المجرات العظمى تبدو في تباعد يتناسب تسارعه مع البعد؛ تأكد أن الكون كان مكدَّسًا في حيز ضئيل ذو حرارة هائلة ليس لها في الكون الحالي مثيل، وتأيد بدء الخلق باكتشاف بنزياس وولسن عام 1973 لإشعاع يتناسب مع شدَّة الحرارة عند الابتداء سموه الخلفية الإشعاعية Background Radiation, وجاء الكشف العلمي الجديد مؤيدًا لبدء الخلق, وحينئذ لم تكن قد وُجِدَت بعد تنوُّعَات؛ لا جسيم ولا ذرة ولا مجرة، لم يكن سوى حركة جسيمات أولية في عجل؛ اهتزاز في الخلاء بأقصى سرعة، فسموها حالة التفردSingularity ، ولك أن تتساءل مذهولاً: أي قدرة مُفزعة خَلَقَت في نهاية المطاف من عَجَل إنسانًا؛ حيث لا أجسام عند الابتداء سوى العَجَل!، وأي رهبة تأخذك عندما يُخبرك المُبدع القدير بالنبأ؛ قال تعالى: "خُلِقَ الإنْسَانُ مِنْ عَجَلٍ سَأُوْرِيكُمْ آيَاتِي فَلاَ تَسْتَعْجِلُونِ" الأنبياء 37.

المراجع:
• المكتبة الشاملة (آلاف المراجع الإسلامية).
• الموسوعة البريطانية وموسوعة إنكارتا.
• الشبكة الدولية للمعلومات (الانترنت).

mercredi 23 novembre 2011

زوجي ... لا يُغضب آنساته

زوجي ... لا يُغضب آنســـــــــــاته

إبنتنا مجد ذات الستة أعوام ترغبُ كزميلاتها المشاركة في إحتفالية تقيمها المدرسة بمناسبة عيد الإستقلال، لكن زوجي رفض مشاركتها! لذا زعلت مجد ... وفي نفس اليوم عاد زوجي على غير عادته مبكراً من المكتب:
- أهلا ... أراك عُدت مبكراً على غير عادتك ... هل أنت مرهق أم أنك تعاني من ألم ما ؟
- لا هذا ولا ذاك ولكن أين مجد؟ مجد ... أين أنت يا مجد؟ أنائمة هي ؟
- لا ابداً .... هاهي
- نعم بابا ...
- إعتقدتُ إنك نائمة ... الحمد الله أنك لم تفعلي ... لقد عُدتُ مُبكِراً خوفاً من أن أجِدكِ نائمة
- لا.. يا بابا ... لِما أنام مبكرة ... فأنا لن أذهب غداً للإحتفالية ...؟
- نعم .. تعالي حبيبة ... تعالي إلى بابا ... هل أنتِ غاضبة مني لأنني منعتكِ من الذهاب؟
- خلاص يا بابا ... مادمت لاتريد لي المشاركة .. خلاص
- ولكن حبيبتي ألم تتسآءلي لِما منعك البابا من المشاركة؟
- لا ... لِما يا بابا؟
- إسمعيني جيداً حبيبة .... فيما مضى أعطاني الله سبحانه وتعالى وردة ... فرحتُ بها كثيراً .. لكنها مع بداية ينعها ماتت ... ربما تغافلتُ عنها قليلاً .. لكن تبقى تلكَ مشيئة الله ... فأخذ مني الحزن مأخذاً شديداً ... لذا كنتُ أبكي وردتي الصغيرة في حُلّي وترحالي ... وكثيراً ما تتردد كلماتها البسيطة والبريئة في أذني ... وأسمع خُطى أقدامِها الصغيرة ... أرى حركاتها ... بسماتها ... حتى باتَ الحزن يقتاتُ مني بل تمنيتُ أن أموت وأدفنُ عند قدميها ...
- لا تبكي يا بابا ... أنا وردتك ... أنا مجدك ....
- نعم حبيبة منحني الله عِوضاً عنها وعن صبري وألمي وردة أخرى ... فهل أخونُ أمانة الله وهديته التي منحني إياها؟
- لا يا بابا ... بل ترعاها وتحميها ...
- أحسنتِ حبيبة وهذا ما أفعله ... أنا أحبُ أن تمرحي وأن تشاركي في كل الاحتفاليات .. لكنكِ تعلمين الوضع كيف هو الآن ... البلد اصبحَ غيرَ آمنٍ والموتُ يتربصُ بنا في كلّ زاوية ومكان ... فهل نذهبُ اليهِ بأقدامنا؟ ... الله سبحانه وتعالى يقول:"ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة"... لذا فأنا ما منعتكِ يا غالية إلآ لأنني أحبُ لك الحياة ... وما الحياة دونكِ يا مجد؟
- وانا أيضا يا بابا أحبُ الحياة ...أتعرف لما؟
- لا ... لما حبيبتي؟
- لأنكَ فيها يا بابا ... نعم أحبُ الحياة لأنك أنت بابا ...
إرتمت مجدُ بأحضان أبيها .. فضمها إلى صدره بعنفٍ وكأنه يحميها ... دمعت عيناها وشفتاه تتمتمان :" الحمد الله انني لحقتها قبل النوم ... فأنا أكره أن تنام آنســـــــــــــاتي وهن غاضبات مني".