samedi 17 décembre 2011

نعيمــــــــة

نعــــــــــــــــيمة

تأملت طفل شقيقتها الصُغرى وهي تحمله بين ذراعيها ... لو تزوجت قبل ثلاثين عاماً هل سيكون من تحمله الآن حفيدها ... تساءلت في صمتها المعتاد والقت نظرة نحو مغيب الشمس وافول الحياة.


ولطالما رددت ذلك بينها وبين نفسها لكنها اليوم القت حملها بعيداً نحو مجهول الزمان وعادت لترتوي من حاضر لن يعود ...


هي الآن في عقدها الخامس لكن الزمن غضَّ بصره عنها وابعد ما تجده النساء في سنها فما توشح وجهها الملائكي إلآ بالحنان ... كنّا نلقبها بآثار الحكيم فمن يا تُرى تُشبه الأخرى؟ ... لكن لها عينان تختزنان في سرهما حُزناً دفين ألقى عليها جماله السادر وراء محيط الأيام ... هل ما اعتراها شروداً؟ أم تُراه قنوطاً ألبسها ذاتَ يومٍ خريفيِّ أنيقَ الحُزن وجماله الأخاذ ... هل للحزن جمال؟


كلّما مرّت بجانبها أمٌ تحتضن طفلها إلا وتعلّقت به عينيها ... تتّبعُ آثار خطواتها ... يُومض بريقٌ من عينيها لو ابتسم لها ذاك الرضيع ... أتُراه يعلم ما اعتراها ... أليست البسمة رسالة إعلان عن حبه لها؟ ... هكذا كانت دائماً في خلواتها تسرّ لنفسها ... وكلما تباعد الطفل غاصت في الأعماق عيناها ... أتُراها تريد إخفاء ما فضحته العيون ... فترتدّ بهما صوب المجهول ...؟


تتساءل في صمت المريب أنّاتها وعيناها تتفحصان من مكانها رزنامة قديمة لم تُعد تذكرُ من ألصقها على حائط غرفتها، فيما ألقت عن رأسها شالها الأبيض ثم أغمضت عينيها حينما القت جسدها الغضّ على السرير ... لماذا تصدرت قائمة اخواتها؟ تساءلت ونظراتها تجول في سقف الغرفة كأنها تبحث عن جواب ... لو خيروها ... آهـ .. لو ... زفرت بها على عجلٍ قائلة: لو خيروني لما ارتأيت ان أكون بكر والديَّ ... ربما أختار أن أكون الوسطى لما لا ... وعانقت في الشرود وسادتها ثم رددت أو الصغرى! نعم (تجيب نفسها) وكأنها ايقنت ... أن لا فرق بينهما مادام هناك من يسبقنا في المجيىء ليُهيىء لنا سُبل الطريق ...

لقد تحملت مسؤولية الورثة القادمين ... ووراءها هناك قرب شجرة الزيتون منحت لأبيها بقعة طاهرة في أرض حديقتها لم تدم وحدته طويلاً فسرعان ما أنسابت والدتها قربه ... وانهارت سُبل الأحلام وراء آخر حبة رمل غطتها بها ... لم تُلقي على القبر أنينها ولم تذرف الدمع يوم الحزن عيناها ... كالخيمة ضمت إخوتها إليها تحيك الليل مع خيوط الفجر فلا يوجد تحت السماء إلآها ... والآن منحت لكلٍ سبيله وانفض من حولها الجمع ... فزيارتها لا تكون إلا كلّما أثقلت الحياة موازينها ليلقوا ما ثقُل عندها.


في رحلتها اليومية بعدما غزا الشيب قلبها ومقلتيها واحتفى مؤخراً بالشيب شعرها ... تجالس تلك الشجرة التي أينعت بيديّ أبيها ومن بعده بيديها وكأنها مركز لعالمها ففي وسط الباحة ألقت جذورها لتُعلن إنتماؤها لهذا الدار ... توأمها هي ...غُرست يوم تسلمت من الحياة موطىء أقدامها ... شجرة الليمون تلك بلا شكٍ رفيقة عمرها وأنيسة وحشتها ... تسامرها ... تنادمها وتُسِّر بعض شجونها و أقاصيص الحي تلقيها لها كم إحتفلت معها بأحلامها ... طقوس تبدأ بعد الفجر وعند إرتشاف قهوة الصباح فيما خيوط الشمس تنسج ردائها على وريقات الشجر وأرض الفناء لكنها لا تنتهي إلآ في جلسة التأمل قبل النوم عند المساء ...

ذات يومٍ خريفي ... التقطت احدى الورقات المنهارة ... تفحصتها ... تأملتها ... مررت كفها عليها جيئة وذهابا ... ثقوب صغيرة ... ارتدّت يدها الى وجهها تتحسسّ خدها ... لترتقي وتلمس الجفون ... جبهتها ... نفس اليد امتدَّت للمرآة القابعة منذ سنوات على حافة الشباك ... نفس المرآة التي كانت ترى فيها نضارتها ... شبابها ... امازالت تحفظ اسرارها القديمة ام ضيعتها مع الزمان ...


وبيد مرتعشة حطمها القلق عكست المرآة على وجهها ... أنفها الشامخ ... مازال كما هو ويأبى الإنكسار ... تباعدت رعشاتها قليلاً كأنه ناقوس اطمئنان لتكمل رحلتها ... وعلى خدها الأيسر طالعها الصفاء ... فتنفست من فرحها الصعداء... استعادت يدها الثقة والاصرار ... احالتها على الخد الايمن ... توقفت عنده كثيرا ... تلمسته باليد الاخرى وكأنها تمحو بعض الشحوب ... وتقارن به خدها الأيسر ... ما الذي اعتراه؟ ... ماذا يكسو صفحته ... تراجعت الى ظهر الكرسي المتهالك ... اصفر الوجه وعلاه الشحوب ... أعادت حمل الورقة التي تصفحتها منذ قليل ... حدّقت بها مليّا ... أعادت تحسس خدها الايمن ...انها نفس الثقوب ...


شردت ببصرها صوب السماء ... كأنها تبثُ شكوى او تنثر نذور الدعاء ... تعلقت عيناها بغيمة مثقلة غطت فناء الدار ... أمطرت عيناها ... فأدمعت لها عين السحاب ...

انزلقت المرآة من بين اصابعها المرتعشة .. فعمّت شظاياها رقعة المكان ... وغطّى بعضها ثقوب الاوراق المتحلقة حولها وكأنها في موكب عزاء ...

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire