ذكرى ميلاد نجوى
ليلة الامس لم تكن كسابقاتها من الأمسيات، مع أنّ واجبه اليومي المقدسّ تجاه طفليه لم تتغير أو تتبدل أجندته إلآ أنني لاحظت بعض قسمات الحزن التي ظللت وجهه المبتسم لأطفاله، شرد قليلاً ثم أردف قائلاً وعيناه تسبران أغوار عالم لم نراه
- هل تعلمون ماذا يصادف يوم الغد؟
وبعد قليل من الوقت ....
- لم نهتدى للجواب ...
- انه يوم مولد نجوى ... وردتي الصغيرة تلك التي فارقتنا وهي تتوسد التراب وحيدة ... ذاك الجسد الغضّ الذي يلتحف السماء غريباً في وحدته يناديني في سكون الليل ... بابا ... بابا ... تلك كلماتها الأخيرة قبل ان تغمض للموت عينيها ... وكأن في لحظاتها الاخيرة تحتمي بي ... تجعل من بابا .. بابا .. رفيق درب لها بين تلك القبور الموحشة ...
تعطلت الكلمات بين شفاهنا وتركناه يسترسل ... فيما الدموع تترقرق من العيون
- لفراق الحبيبة ارتدى كلّ ما لمست يداها وشاح السواد ... هل تصدقون؟
- مـــــــــــــاذا؟
- حتى تلك الورود المزروعة في أصيصها والتي كانت تعتني بهم، أبينَ تكملة الحياة بعدها ... كم سقيتهم ماءاً ودموعاً ... لكن هيهات ... رجوتها اكراماً لنجواي ان تستردّ عافيتها لكن الوريدات رفضن الاّ اللحاق بها ... سبحان الله حتى النبات يحزن لحد الذبول لفراق أحبته فكيف بالامر ونجواي كالملاك لم يُدنسّ بعد بتشوهات الانسان ... لازالت على فطرتها.. براءتها .. سجيتها وطهارتها ... للورود كلّ الحق في إعلان حدادها الأبدي عليها ... فقد تعودت الإرتواء من يديّ نجواي الطاهرتين وما عدى ذلك هو إرتواء قاتل لها ... الآن فهمت سرّ موت وردات نجوى رغم محاولاتنا المستمرة لإحيائها وكأنها من ريح وطيب نجوى أم ترى الوردات تستمدّ طيبها من نجوى وبموتها إنقطع اكسير الحياة عنها فأبتّ إلا اللحاق بها ...
دائماً أتسائل بيني وبين نفسي ... ما السرّ بين تلك الورود وبين نجواي؟ لِما كنتُ أراها متفتحة، مبتسمة، تفوح رائحتها في كلّ أرجاء البيت كلما سقتها نجوى حتى بقطراتٍ قليلة من الماء وكثير من الضحكات والحنان ومع رحيل نجواي وكعهد مني على حفظ كلّ ما لمست يداها إهتممت بالورود وتعهدت برعايتها لكنني كنتُ في كل يوم أراها تنكمش وتذبل حزينة حتى فارقت الحياة ...
ليس الورود فحسب بل كلّ أثر عليه لمسة يد منها أصرَّ على اللحاق بها بعد موتها ...
سبحان الله أيعقل النبات والحيوان هذا أيشعر بغياب حبيب لهما فيتأسيا بذلك ليلحقا به.
اذا كان هذا حالهما فكيف أصفُ فجيعتي أنا ... من كانت تأتيه كلّ صباح لتوقظه من نومه على صدى ضحكاتها ... بابا ... بابا ... وأتمثلّ لها النوم .. لترفع عني الغطاء وتشدو في أذني: بابا ... يا الله حبيبي قم ... تعال انظر لورداتي بابا ...
غداً يكون عيد ميلادها ... هو من الأيام التي تسكنني وتظل كناقوس يدق ويخلخل بي كياني ... وينادي نجواي ... نجواي ...
هل تُراك تقرئين ما كتبتهُ علي قبركِ ... وأخذ ينشد الابيات التي وسمها المشهد
وماذا يفيد هذا الدار ساكنه إذا الأحباب غابوا اليوم وارتحلوا
لم ارى أباً يحفظ عهود أطفاله مثله بإعتبار أن القول المأثور لدينا: أن كلّ الناس تنسى فقدان الضنى إلا الأم ... لكني والحق يقال وجدت أن هذه المقولة مغلوطة وناقصة .. فكلّ الناس تنسى الاّ الأب الرائع يظل يحمل ذكراهم في حلّه وترحاله ... في صمته وسكونه ... في وحدته ... تعشش داخل كيانه ... فمثلما يحتفي بالاحياء من أبنائه يُجدد ذكرى نجواه حتى بدت لنا ماثلة امامنا حية تُرزق بكل الاوصاف التي وصفها ...
... ما اروع وفــــــــــــــــــــاء الابـــــــــــاء
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire