vendredi 6 janvier 2012

الحاجة إلى الأديان

يُثير التدين والإعتقاد عموماً الكثير من النقاشات الحادة بين المؤمنين والرافضين لوجود الأديان ... لكننا لو تتبعنا مسيرة الإنسان منذ أن وجِد على هذه الأرض لرأينا هذا التلازم بينه وبين الحاجة إلى الإعتقاد الديني أو الروحي حتى قبل ان تُرسل الرسل وتُبعث الانبياء وتوجد الشرائع السماوية ...

إذ أنه يكفي أن نُلقي نظرة واحدة على تاريخ الحضارات الغابرة ومن خلال ما خلفته من الآثار التي كُشِف النقابُ عنها لنقف على حقيقة لا يمكن بأي حال نكرانها أو تجاوزها أو تغييبها وهي: مكانة الدين والإعتقاد في حياة تلك الشعوب، لدرجة انهم قاموا بأنفسهم بصنع آلهة يتقربون اليها ويرعونها ويخشونها وووو ... وما ضخامة وأهمية المعابد التي قاموا بتشييدها ومازالت صروحها قائمة الى الآن إلاّ دليلاً على حاجة الانسان إلى الإعتقاد بوجود آلهة لديها قدرات تعلو على القدرات البشرية.

وحتى من بدّل العلم محلّ الدين فإنه قام في النهاية بالإستعاضة عن إعتقاد بآخر ...
أوليس الإحساس الديني هو شعور بالخضوع لقوةٍ معينة سواءاً كانت إله او آلهة متعددة ... مرئية أو غير مرئية ... محسوسة أوغير محسوسة إلا أنها في النهاية تعكس أمراً واحداً: أن الدين ضرورة.

ومن يقوم بإنتقاد الأديان عبر تقديس العلم إنما يقوم بعملية إستبدال معبود بآخر حتى وإن كانت رُزمة من الأفكار أو الطروحات العلمية والفلسفية والتي يرى فيها الإله الجديد ...
وبما أن الدين في نظر المؤمن هو المقدس فإن رزمة الأفكار والطروحات في نظر نقيضه هي المقدس وعليه فإنهما يتساويان في الشعور بل ويؤكدان حاجة الإنسان للدين أو الإعتقاد الديني أي كان معبوده ... وبالتالي لا معنى للدنيوي كما يقول مرسيا الياد إلآ بالنظر للمقدس.

وبالتالي حتى الذين يريدون نفي الدين بإعتباره مقدس لا يستطعون إثبات طروحاتهم إلا في وجوده ... بمعنى أكثر دقة لو إعتبرنا أنهم يبنون منظومة فكرية تعتمد على ماهو محسوس دنيوي اليسوا في حاجة من خلال هذه العملية إلى نقيض ليثبتوا أو يستدلوا على منظومتهم ... هذا يعني أنهم في حاجة لهذا الذي يلغون ليعطوا شرعية الوجود لمنظومتهم ... وبالتالي ما نفوه منحهم الإستدلال على ما يؤمنون به والسؤال هو: كيف يعتمدون على غير الموجود لإثبات ما هو موجود؟؟؟

ولكن ما معنى أن الدين ضرورة؟
لو أردنا الإجابة من خلال ثلاث محاور: فلسفية واجتماعية ونفسية ... مدى أهمية الدين والحاجة اليه؟

لن أركن إلى معطيات أو وجهة نظر دينية حتى لا يُعتبر المقال أو البحث هذا نوع من الإجابة من صلب السؤال نفسه أو من موضوع المبحث ... كما لن أركن إلى وجهات نظر عربية أو إسلامية حتى لا يُصنف في باب "شاكر نفسه يقرؤكم السلام" كما سأحاول أن لا أستند إلى وجهات نظر غربية مؤيدة بل لنعتمد على آراء تنتمي للجبهة المقابلة النافية ...
لنبدأ بباسكال الذي يقول "أن الدين أو الرؤية الدينية هي ما به نبلغ القيمة الحقيقية للعالم ولمنزلة الانسان في العالم" إن هذه القيمة المثلى للتجربة الدينية جعلت باسكال لايتردد في الحديث عن الشقاء أي شقاء الإنسان دون إله ...

فإذا كان باسكال ينظر وينزل الدين إلى أنه حاجة فردية أكيدة فإن عالم الإجتماع الفرنسي دركايم ينظر إليه كحاجة للتماسك الإجتماعي، كيف؟ لنرى!

فدايفد دركايم يرى أن للدين وظيفة إجتماعية مهمة لدرجة خلق وحدة المجتمع عبر توحيد المشاعر والتصورات وهو ما يمثل نوعاً من القانون السسيولوجي ... فالدين من وجهة نظر دركايم هو إحدى الضمانات بل الضامن الأقوى للتماسك الإجتماعي وليس من باب الاحتفالات أو إحياء المناسبات الدينية بل من خلال بث قيم التكافل والتعاون والتضامن وتحقيق التلاحم والتواصل الاجتماعي ... وبالتالي فإن الدين يحقق ما يصبو إليه المجتمع (ومانراه اليوم رغم توغل قيم الفردانية والأنانية) وتمكن من جعل المجتمع يحافظ على تماسكه عبر منظومته القيمية والاخلاقية ...

ولو تجاوزنا الحاجة الفردية والإجتماعية إلى الحاجة النفسية وليكن سيجموند فرويد هو محطتنا التالية .. ونسمعه يقول ... ما يلي: في كتابه "محاضرات جديدة في التحليل النفسي"، "الدين قوة هائلة تتحكم فينا كيفما شاءت وبأقوى إنفعالات الناس ... وقد أنشأ الدين تصوراً لعالم متلاحم (أي منسجماً) إلى حدّ لا يضاهي وهذا التصور لازال قائماً حتى الآن" ...

ويعتبر فرويد أن للدين وظيفة ثلاثية على الاقل:
1- الدين يلبي فضول الإنسان وحب الاطلاع ..
2- ما يحظى به الدين من تأثير لايستطيع العلم أن يضاهيه أو ينافسه فيه مثل تبديد مخاوف الإنسان مثلا من مخاطر الحياة وتقلباتها وصحيح أن العلم يعلّم الانسان أن يتحاشى بعض الاخطار لكنه يعجز عن التصدي للألم ... بعكس الدين الذي يبث الطمأنينة ويمتص ألم الانسان وهذه العملية النفسية مهمة جداً لحفاظ الإنسان على تماسكه ومواصلة رحلة الحياة ....
3- اما الوظيفة الثالثة فتتمثل في صياغة محظورات وقيود وبالتالي يتحول الدين إلى ظابط أخلاقي ..


ففي حين يكتفي العلم بالكشف عن الوقائع وإثباتها فقيمة الدين في نظر فرويد لا يمكن أن تماثلها أي رؤية أخرى للعالم وخاصة عندما يتفرد الدين بمساءلة الغاية والهدف من الحياة الإنسانية .....

إذاً من خلال ما تقدم وهذه الشهادات نُعيد صياغة السؤال ولكن بشكل آخر:
كيف ستكون الحياة في ظلّ غياب الدين؟ ... وهل يستطيع الإنسان فعلاً العيش بدونه؟

mardi 3 janvier 2012

الإزدواجـــــية

إزدوا جـــــــــــــــــية
عندما تقف على سلوكيات بعض المغتربين بين بلاد المهجر والإقامة وبين موطنهم الاصلي تصاب بالدهشة المصحوبة بتساؤلاتٍ عدة وحيرة تستجدي الفهم لتنجلي.

فهذا العربي سواء كان أصيل المدينة أو الريف وبمجرد أن يحطّ الرحال في بلاد العجم يخلع ثوبه ليلتحف الإفرنجي منه ... وليس هذا محلّ تعجبي بإعتبار أن هذا الأمر جد بديهي وطبيعي ومفهوم في جوانب عدة منه ... ولكن أنا لا أتحدث عن المظهر الخارجي والذي اضحى مألوفاً حتى في ديارنا والذي يدخل في باب التأثر بالآخر وعلى رأيّ إبن خلدون "المغلوب يتشبه بالغالب في لباسه وسحنته ولسانه" وإذا كان علم الإجتماع يرى لهذا مبرراته الإقتصادية والإجتماعية وحتى الثقافية والانتروبولوجية فإن الأمر الذي يتمحور حوله الاشكال هو: لماذا يتغير سلوك هؤلاء بين الـ هنا والـ هناك؟

لنغوص في المسألة بعمق أكبر ... فالعربي في بلاد العجم يحترم القوانين بما فيها قانون الطرقات ... يعمل بجدّ وإخلاص وتفانٍ حتى دون إبداء أي امتعاض ولو صادف ظروف عمل شاقة أو مزرية صحياً وإجتماعيا ... بل يمكن القول ودون وجل أن الكثير من المغتربين يمتهنون أعمالاً قد يستنكفونها في أوطانهم الأصلية.

نعم .. نعم بلغني إحتجاجكم على قولي هذا وأنصت إليكم وأنتم تقولون: إنه يرضى بتلك الأعمال مقابل أجر لا يمنحه له وطنه الأصلي ... وأجيب! إحتجاجكم جداً منطقي ولكن العلة ليست هنا وإن كان فيها نقاش إنما العلّة في عقلية الإستنكاف بل والتواكل وتبخيس لحد الإحتقار لبعض الأعمال ... بل ترى بعضهم يتطاوسون على عمال بعض القطاعات وينظرون اليهم باشمئزاز في حين يمارسون هم نفس هذه الأعمال في بلاد الغرب ...

فهل هي عملية تعويض؟ أم الأمر يتعلق بحالة إنفصام نفسي؟ أم لا يشعر بكينونته وفوقيته إلا بين بني جلدته؟.

أنظر إليهم وهم خلف مقود سياراتهم التي تأتي بهم ولايأتون بها كعنوان لإنتماءهم الجديد، إذ يدوسون على قوانين الطرقات متجاوزينها في حين تراهم قطيعاً منضبطاً في بلد الإقامة ... فبما نفسر هذا السلوك الأرعن؟


أوليس من المفروض أنهم جاؤوا رسلاً للحضارة المتمدنة فلما يخونوها مع أول موطىء قدم في بلدانهم الاصلية؟ بل لا يتوانى أحدهم وكنوع من لفت الانظار أن يتجاوز طابور السيارات بسرعة جنونية ... والبعض الآخر لا يستحى أن يدوس وكانه في حالة إنتقام في الحفر والمسطحات المائية التي تزين طرقاتنا ليرش المارة بمياهها القذرة.

هذه السلوكيات وغيرها من إستعمال لغة الإقامة بشكل ركيك في تعامله مع محيطه الأصلي كنوع من الفاتازيا والبرستيج إلى إستيراد نمط حياة لا تتلائم في الأغلب مع بيئته الأصلية ولكن ربما لتشعره بالتميز ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟

إنها نماذج أبسط ما توسم به أنها تعاني حالة إنفصام مستفحلة ومستديمة ... لكن الأكيد تتطلب حالتهم دراسة اجتماعية ونفسية معمقة ...