vendredi 6 janvier 2012

الحاجة إلى الأديان

يُثير التدين والإعتقاد عموماً الكثير من النقاشات الحادة بين المؤمنين والرافضين لوجود الأديان ... لكننا لو تتبعنا مسيرة الإنسان منذ أن وجِد على هذه الأرض لرأينا هذا التلازم بينه وبين الحاجة إلى الإعتقاد الديني أو الروحي حتى قبل ان تُرسل الرسل وتُبعث الانبياء وتوجد الشرائع السماوية ...

إذ أنه يكفي أن نُلقي نظرة واحدة على تاريخ الحضارات الغابرة ومن خلال ما خلفته من الآثار التي كُشِف النقابُ عنها لنقف على حقيقة لا يمكن بأي حال نكرانها أو تجاوزها أو تغييبها وهي: مكانة الدين والإعتقاد في حياة تلك الشعوب، لدرجة انهم قاموا بأنفسهم بصنع آلهة يتقربون اليها ويرعونها ويخشونها وووو ... وما ضخامة وأهمية المعابد التي قاموا بتشييدها ومازالت صروحها قائمة الى الآن إلاّ دليلاً على حاجة الانسان إلى الإعتقاد بوجود آلهة لديها قدرات تعلو على القدرات البشرية.

وحتى من بدّل العلم محلّ الدين فإنه قام في النهاية بالإستعاضة عن إعتقاد بآخر ...
أوليس الإحساس الديني هو شعور بالخضوع لقوةٍ معينة سواءاً كانت إله او آلهة متعددة ... مرئية أو غير مرئية ... محسوسة أوغير محسوسة إلا أنها في النهاية تعكس أمراً واحداً: أن الدين ضرورة.

ومن يقوم بإنتقاد الأديان عبر تقديس العلم إنما يقوم بعملية إستبدال معبود بآخر حتى وإن كانت رُزمة من الأفكار أو الطروحات العلمية والفلسفية والتي يرى فيها الإله الجديد ...
وبما أن الدين في نظر المؤمن هو المقدس فإن رزمة الأفكار والطروحات في نظر نقيضه هي المقدس وعليه فإنهما يتساويان في الشعور بل ويؤكدان حاجة الإنسان للدين أو الإعتقاد الديني أي كان معبوده ... وبالتالي لا معنى للدنيوي كما يقول مرسيا الياد إلآ بالنظر للمقدس.

وبالتالي حتى الذين يريدون نفي الدين بإعتباره مقدس لا يستطعون إثبات طروحاتهم إلا في وجوده ... بمعنى أكثر دقة لو إعتبرنا أنهم يبنون منظومة فكرية تعتمد على ماهو محسوس دنيوي اليسوا في حاجة من خلال هذه العملية إلى نقيض ليثبتوا أو يستدلوا على منظومتهم ... هذا يعني أنهم في حاجة لهذا الذي يلغون ليعطوا شرعية الوجود لمنظومتهم ... وبالتالي ما نفوه منحهم الإستدلال على ما يؤمنون به والسؤال هو: كيف يعتمدون على غير الموجود لإثبات ما هو موجود؟؟؟

ولكن ما معنى أن الدين ضرورة؟
لو أردنا الإجابة من خلال ثلاث محاور: فلسفية واجتماعية ونفسية ... مدى أهمية الدين والحاجة اليه؟

لن أركن إلى معطيات أو وجهة نظر دينية حتى لا يُعتبر المقال أو البحث هذا نوع من الإجابة من صلب السؤال نفسه أو من موضوع المبحث ... كما لن أركن إلى وجهات نظر عربية أو إسلامية حتى لا يُصنف في باب "شاكر نفسه يقرؤكم السلام" كما سأحاول أن لا أستند إلى وجهات نظر غربية مؤيدة بل لنعتمد على آراء تنتمي للجبهة المقابلة النافية ...
لنبدأ بباسكال الذي يقول "أن الدين أو الرؤية الدينية هي ما به نبلغ القيمة الحقيقية للعالم ولمنزلة الانسان في العالم" إن هذه القيمة المثلى للتجربة الدينية جعلت باسكال لايتردد في الحديث عن الشقاء أي شقاء الإنسان دون إله ...

فإذا كان باسكال ينظر وينزل الدين إلى أنه حاجة فردية أكيدة فإن عالم الإجتماع الفرنسي دركايم ينظر إليه كحاجة للتماسك الإجتماعي، كيف؟ لنرى!

فدايفد دركايم يرى أن للدين وظيفة إجتماعية مهمة لدرجة خلق وحدة المجتمع عبر توحيد المشاعر والتصورات وهو ما يمثل نوعاً من القانون السسيولوجي ... فالدين من وجهة نظر دركايم هو إحدى الضمانات بل الضامن الأقوى للتماسك الإجتماعي وليس من باب الاحتفالات أو إحياء المناسبات الدينية بل من خلال بث قيم التكافل والتعاون والتضامن وتحقيق التلاحم والتواصل الاجتماعي ... وبالتالي فإن الدين يحقق ما يصبو إليه المجتمع (ومانراه اليوم رغم توغل قيم الفردانية والأنانية) وتمكن من جعل المجتمع يحافظ على تماسكه عبر منظومته القيمية والاخلاقية ...

ولو تجاوزنا الحاجة الفردية والإجتماعية إلى الحاجة النفسية وليكن سيجموند فرويد هو محطتنا التالية .. ونسمعه يقول ... ما يلي: في كتابه "محاضرات جديدة في التحليل النفسي"، "الدين قوة هائلة تتحكم فينا كيفما شاءت وبأقوى إنفعالات الناس ... وقد أنشأ الدين تصوراً لعالم متلاحم (أي منسجماً) إلى حدّ لا يضاهي وهذا التصور لازال قائماً حتى الآن" ...

ويعتبر فرويد أن للدين وظيفة ثلاثية على الاقل:
1- الدين يلبي فضول الإنسان وحب الاطلاع ..
2- ما يحظى به الدين من تأثير لايستطيع العلم أن يضاهيه أو ينافسه فيه مثل تبديد مخاوف الإنسان مثلا من مخاطر الحياة وتقلباتها وصحيح أن العلم يعلّم الانسان أن يتحاشى بعض الاخطار لكنه يعجز عن التصدي للألم ... بعكس الدين الذي يبث الطمأنينة ويمتص ألم الانسان وهذه العملية النفسية مهمة جداً لحفاظ الإنسان على تماسكه ومواصلة رحلة الحياة ....
3- اما الوظيفة الثالثة فتتمثل في صياغة محظورات وقيود وبالتالي يتحول الدين إلى ظابط أخلاقي ..


ففي حين يكتفي العلم بالكشف عن الوقائع وإثباتها فقيمة الدين في نظر فرويد لا يمكن أن تماثلها أي رؤية أخرى للعالم وخاصة عندما يتفرد الدين بمساءلة الغاية والهدف من الحياة الإنسانية .....

إذاً من خلال ما تقدم وهذه الشهادات نُعيد صياغة السؤال ولكن بشكل آخر:
كيف ستكون الحياة في ظلّ غياب الدين؟ ... وهل يستطيع الإنسان فعلاً العيش بدونه؟

mardi 3 janvier 2012

الإزدواجـــــية

إزدوا جـــــــــــــــــية
عندما تقف على سلوكيات بعض المغتربين بين بلاد المهجر والإقامة وبين موطنهم الاصلي تصاب بالدهشة المصحوبة بتساؤلاتٍ عدة وحيرة تستجدي الفهم لتنجلي.

فهذا العربي سواء كان أصيل المدينة أو الريف وبمجرد أن يحطّ الرحال في بلاد العجم يخلع ثوبه ليلتحف الإفرنجي منه ... وليس هذا محلّ تعجبي بإعتبار أن هذا الأمر جد بديهي وطبيعي ومفهوم في جوانب عدة منه ... ولكن أنا لا أتحدث عن المظهر الخارجي والذي اضحى مألوفاً حتى في ديارنا والذي يدخل في باب التأثر بالآخر وعلى رأيّ إبن خلدون "المغلوب يتشبه بالغالب في لباسه وسحنته ولسانه" وإذا كان علم الإجتماع يرى لهذا مبرراته الإقتصادية والإجتماعية وحتى الثقافية والانتروبولوجية فإن الأمر الذي يتمحور حوله الاشكال هو: لماذا يتغير سلوك هؤلاء بين الـ هنا والـ هناك؟

لنغوص في المسألة بعمق أكبر ... فالعربي في بلاد العجم يحترم القوانين بما فيها قانون الطرقات ... يعمل بجدّ وإخلاص وتفانٍ حتى دون إبداء أي امتعاض ولو صادف ظروف عمل شاقة أو مزرية صحياً وإجتماعيا ... بل يمكن القول ودون وجل أن الكثير من المغتربين يمتهنون أعمالاً قد يستنكفونها في أوطانهم الأصلية.

نعم .. نعم بلغني إحتجاجكم على قولي هذا وأنصت إليكم وأنتم تقولون: إنه يرضى بتلك الأعمال مقابل أجر لا يمنحه له وطنه الأصلي ... وأجيب! إحتجاجكم جداً منطقي ولكن العلة ليست هنا وإن كان فيها نقاش إنما العلّة في عقلية الإستنكاف بل والتواكل وتبخيس لحد الإحتقار لبعض الأعمال ... بل ترى بعضهم يتطاوسون على عمال بعض القطاعات وينظرون اليهم باشمئزاز في حين يمارسون هم نفس هذه الأعمال في بلاد الغرب ...

فهل هي عملية تعويض؟ أم الأمر يتعلق بحالة إنفصام نفسي؟ أم لا يشعر بكينونته وفوقيته إلا بين بني جلدته؟.

أنظر إليهم وهم خلف مقود سياراتهم التي تأتي بهم ولايأتون بها كعنوان لإنتماءهم الجديد، إذ يدوسون على قوانين الطرقات متجاوزينها في حين تراهم قطيعاً منضبطاً في بلد الإقامة ... فبما نفسر هذا السلوك الأرعن؟


أوليس من المفروض أنهم جاؤوا رسلاً للحضارة المتمدنة فلما يخونوها مع أول موطىء قدم في بلدانهم الاصلية؟ بل لا يتوانى أحدهم وكنوع من لفت الانظار أن يتجاوز طابور السيارات بسرعة جنونية ... والبعض الآخر لا يستحى أن يدوس وكانه في حالة إنتقام في الحفر والمسطحات المائية التي تزين طرقاتنا ليرش المارة بمياهها القذرة.

هذه السلوكيات وغيرها من إستعمال لغة الإقامة بشكل ركيك في تعامله مع محيطه الأصلي كنوع من الفاتازيا والبرستيج إلى إستيراد نمط حياة لا تتلائم في الأغلب مع بيئته الأصلية ولكن ربما لتشعره بالتميز ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟

إنها نماذج أبسط ما توسم به أنها تعاني حالة إنفصام مستفحلة ومستديمة ... لكن الأكيد تتطلب حالتهم دراسة اجتماعية ونفسية معمقة ...

jeudi 22 décembre 2011

عقدة الخواجا

عقدة الخواجه
الكثيرون في العالم العربي يعانون من عقدة الخواجه ... يتمسحون بأعتاب الغرب ... فكراً ونمط حياة لدرجة الإنسلاخ عن عالمه وبيئته ...

تعتقد هذه الفئة أن انجع واقصر السبل لبلوغ رضاء الآخر عنه هو التملص والتنكر لبيئته وتقاليده وعاداته الأصيلة ... لكن هل تراه سيبلغ الرضا ونيل المراد ...


قد يتبادر إلى ذهننا السؤال المنطقي التالي والذي يمكننا من الوقوف علي طبيعة هذه الشخصيات والسؤال هو: ما سبب حالة الضياع هذه؟

قد يكون لتراجع مكان أمته على مختلف الصُعد قد خلّفت حالة العقوق هذه، ولكن أليس هذا نوع من الهروب ودليل عجز عن تغيير الاوضاع؟ فاختار أن يرتدي جلباب الآخر الذي حيك على مقاس أصحابه الاصليين ...


كما لا يفوتنا أن سيطرة ثقافة الآخر في ظل نظام العولمة، جعل رقاب هذه الفئة تشرئب اليها معتقدة انها النموذج الامثل والاوحد والمنقذ الوحيد مما نحن فيه مع أنهم لو تمعنوا ودققوا النظر قليلاً ... لرأوا اننا كنّا في مرمى هدف الاخرين ... لنفترض جدلاً أننا تبنينا نموذج الاخر.

- فهل سيُسمح لنا بالتحول من سوق استهلاكية ضخمة لمنتجاتهم الى منتجين منافسين لهم؟
- هل سيسمحون لنا بامتلاك ناصية التقنية وتوظيفها لمصالحنا كما يفعلون؟
- هل سيرضون بان تكون لنا صناعة عسكرية ودفاعية وردعية تحمي الديار؟


رزمة الـ "هل" هذه تكشف أي نوع من العلاقة يريدها الآخر منّا نحن ... إنه لا يرضى لنا بالنديّة بل بالدونية وهذه الاخيرة تديمنا رهينة إقتصادية وسياسية وثقافية لديه ...

لا أعتقد أن هذه الامور تغفل عنها تلك الفئة التي تنادي بالتغريب ... الفئة التي ترى أن الاستنساخ، حتى وإن كان مُشوها هو الحل الأمثل ... لكن ما يلفت الإنتباه إليه هو أن طروحاتهم ودعواهم تلقى الإحتقار أكثر من الإحترام غربياً.

إن هذه الفئة والتي تُعاني من تشوهات نفسية عدة منها: الشعور بالقزمية والدونية والانبهار بالآخر والذي أضحى يُشكل عقدة مستديمة لديها، سبب لها الإعاقة من أن تكون فاعلة ومنتجة ومبتكرة ومبدعة باعتبار أنها تحاول أن تستورد نموذج جاهز وإسقاطه على الواقع والبيئة ... ولو أن هذه الفئة إتبعت سبيل التحليل والمعاينة والمراقبة دون مركبات نقص لتسنى لها تحقيق الحلول التي تُناسب واقعها وإرثه الثقافي والحضاري....

من الغرائب التي نراها في واقعنا المُعاش وجود بعض من هؤلاء الذين يرفضون الإعتراف بقيم حضارتهم العربية وتاثيراتها المباشرة وغير المباشرة على الغرب، حتى أن يصل لمرحلة الجحود الكلي والتنصل من أي دور لهذه الحضارة فيما وصل إليه الغرب من حضارة، بينما نرى أن الغرب أنفسهم يؤكدون الدور والتأثير والتلاقح في شهادة حق صادقة.

هذه الفئة والتي تعيش حالة صدمة ربما مما وصل اليه الحال، تعاني حالة إنفصام شديدة بين الرغبة في الانتماء للاخر والذي يزدريها والشعور باليتم لإفتقاده حالة التواصل مع واقعه الذي يكتنف خصوصيته وهويته والتي تجعله يختلف عن الاخر وفقاً لمعطيات تاريخية وحضارية وثقافية وعقائدية وحتى جغرافية ... والاختلاف لايعني التميز أو التفاضل بقدر ما تعني التمايز ...

فعملية التغريب ضاعفت من تمزقهم النفسي وعمقت من حالة الضياع عندهم فما استطاعوا أن يكونوا الآخر وما نجحوا في الحفاظ على كينوناتهم وذواتهم ...


فلعل إيقاع الثورات العربية والتي أدهشت الغرب ذاته تجعلهم يستردون توازنهم ويعيدون حساباتهم ويراجعون طروحاتهم فيعثرون على أنفسهم ...

dimanche 18 décembre 2011

أغداً أراه

لملمتُ اشيائي برفقٍ وجعلتها بين اصابعي ..

أهو القمر ما أنار شُباكَ غُرفتي؟ آهـ ..

غداً سأراه ...

لا أدري لماذا تُطالعني الليالي بصمتها وشُجيرات الفناء تهتزُ طرباً لفرحي ...

أغداً أراه؟

وأشيائي تِلكَ التي بين اصابعي سأُخفيها تحتَ وسادتي ليُدفِئُها حلم الإنتظار، لكِن النوم يهجُرني مُنذ ولادتي ...

وسُرعان ما يأتي ضوء الصباح
كيف سيكون لقاؤنا وكيف يكون عندها همس الحروف؟ ...


إنه القلبُ يخفقُ لا محال ينزوي في ركنِ صدري يختفي بين المُحال

الرعشة نفسها تُداعب نبرات صوتي تهتف أين وكيف سنلتقي؟

أتُراه يضمني إليه؟ ليسرقَ من شفتيَّ خمرة العُشق والقبلات ...

كم تناوبت الشفاهُ على المصير وكم داعبت رعشاتها صوت الأنين ...

عيناي تلك التي ما طالعت سِواه منذ قبل العمر منذ قبل الكون منذ قبل الخلق ...

يومها أحببت الفناء واليوم أحببت اللقاء

تتناوب الهمسات في اذني ...


أتُراه سيعلم ما خبّأت في قلبي؟

وعيناه التي تتماوج الأحلام في شطآنها تدعوني لقطف قطرات المطر من غيم السماء ...

رباه لا أعلم أتُراه سيقرأ اسمه بين الشفاه بل بين خلجات القلب المعذب في هواه ...

وبين قصاصات أوراقي تتدلى بعض الحروف المعطرة تناديه كل مساء ...
وغداً ... غداً سيأتي الحلم حقيقة ليتلقف الأماني من صدر السماء ...

samedi 17 décembre 2011

نعيمــــــــة

نعــــــــــــــــيمة

تأملت طفل شقيقتها الصُغرى وهي تحمله بين ذراعيها ... لو تزوجت قبل ثلاثين عاماً هل سيكون من تحمله الآن حفيدها ... تساءلت في صمتها المعتاد والقت نظرة نحو مغيب الشمس وافول الحياة.


ولطالما رددت ذلك بينها وبين نفسها لكنها اليوم القت حملها بعيداً نحو مجهول الزمان وعادت لترتوي من حاضر لن يعود ...


هي الآن في عقدها الخامس لكن الزمن غضَّ بصره عنها وابعد ما تجده النساء في سنها فما توشح وجهها الملائكي إلآ بالحنان ... كنّا نلقبها بآثار الحكيم فمن يا تُرى تُشبه الأخرى؟ ... لكن لها عينان تختزنان في سرهما حُزناً دفين ألقى عليها جماله السادر وراء محيط الأيام ... هل ما اعتراها شروداً؟ أم تُراه قنوطاً ألبسها ذاتَ يومٍ خريفيِّ أنيقَ الحُزن وجماله الأخاذ ... هل للحزن جمال؟


كلّما مرّت بجانبها أمٌ تحتضن طفلها إلا وتعلّقت به عينيها ... تتّبعُ آثار خطواتها ... يُومض بريقٌ من عينيها لو ابتسم لها ذاك الرضيع ... أتُراه يعلم ما اعتراها ... أليست البسمة رسالة إعلان عن حبه لها؟ ... هكذا كانت دائماً في خلواتها تسرّ لنفسها ... وكلما تباعد الطفل غاصت في الأعماق عيناها ... أتُراها تريد إخفاء ما فضحته العيون ... فترتدّ بهما صوب المجهول ...؟


تتساءل في صمت المريب أنّاتها وعيناها تتفحصان من مكانها رزنامة قديمة لم تُعد تذكرُ من ألصقها على حائط غرفتها، فيما ألقت عن رأسها شالها الأبيض ثم أغمضت عينيها حينما القت جسدها الغضّ على السرير ... لماذا تصدرت قائمة اخواتها؟ تساءلت ونظراتها تجول في سقف الغرفة كأنها تبحث عن جواب ... لو خيروها ... آهـ .. لو ... زفرت بها على عجلٍ قائلة: لو خيروني لما ارتأيت ان أكون بكر والديَّ ... ربما أختار أن أكون الوسطى لما لا ... وعانقت في الشرود وسادتها ثم رددت أو الصغرى! نعم (تجيب نفسها) وكأنها ايقنت ... أن لا فرق بينهما مادام هناك من يسبقنا في المجيىء ليُهيىء لنا سُبل الطريق ...

لقد تحملت مسؤولية الورثة القادمين ... ووراءها هناك قرب شجرة الزيتون منحت لأبيها بقعة طاهرة في أرض حديقتها لم تدم وحدته طويلاً فسرعان ما أنسابت والدتها قربه ... وانهارت سُبل الأحلام وراء آخر حبة رمل غطتها بها ... لم تُلقي على القبر أنينها ولم تذرف الدمع يوم الحزن عيناها ... كالخيمة ضمت إخوتها إليها تحيك الليل مع خيوط الفجر فلا يوجد تحت السماء إلآها ... والآن منحت لكلٍ سبيله وانفض من حولها الجمع ... فزيارتها لا تكون إلا كلّما أثقلت الحياة موازينها ليلقوا ما ثقُل عندها.


في رحلتها اليومية بعدما غزا الشيب قلبها ومقلتيها واحتفى مؤخراً بالشيب شعرها ... تجالس تلك الشجرة التي أينعت بيديّ أبيها ومن بعده بيديها وكأنها مركز لعالمها ففي وسط الباحة ألقت جذورها لتُعلن إنتماؤها لهذا الدار ... توأمها هي ...غُرست يوم تسلمت من الحياة موطىء أقدامها ... شجرة الليمون تلك بلا شكٍ رفيقة عمرها وأنيسة وحشتها ... تسامرها ... تنادمها وتُسِّر بعض شجونها و أقاصيص الحي تلقيها لها كم إحتفلت معها بأحلامها ... طقوس تبدأ بعد الفجر وعند إرتشاف قهوة الصباح فيما خيوط الشمس تنسج ردائها على وريقات الشجر وأرض الفناء لكنها لا تنتهي إلآ في جلسة التأمل قبل النوم عند المساء ...

ذات يومٍ خريفي ... التقطت احدى الورقات المنهارة ... تفحصتها ... تأملتها ... مررت كفها عليها جيئة وذهابا ... ثقوب صغيرة ... ارتدّت يدها الى وجهها تتحسسّ خدها ... لترتقي وتلمس الجفون ... جبهتها ... نفس اليد امتدَّت للمرآة القابعة منذ سنوات على حافة الشباك ... نفس المرآة التي كانت ترى فيها نضارتها ... شبابها ... امازالت تحفظ اسرارها القديمة ام ضيعتها مع الزمان ...


وبيد مرتعشة حطمها القلق عكست المرآة على وجهها ... أنفها الشامخ ... مازال كما هو ويأبى الإنكسار ... تباعدت رعشاتها قليلاً كأنه ناقوس اطمئنان لتكمل رحلتها ... وعلى خدها الأيسر طالعها الصفاء ... فتنفست من فرحها الصعداء... استعادت يدها الثقة والاصرار ... احالتها على الخد الايمن ... توقفت عنده كثيرا ... تلمسته باليد الاخرى وكأنها تمحو بعض الشحوب ... وتقارن به خدها الأيسر ... ما الذي اعتراه؟ ... ماذا يكسو صفحته ... تراجعت الى ظهر الكرسي المتهالك ... اصفر الوجه وعلاه الشحوب ... أعادت حمل الورقة التي تصفحتها منذ قليل ... حدّقت بها مليّا ... أعادت تحسس خدها الايمن ...انها نفس الثقوب ...


شردت ببصرها صوب السماء ... كأنها تبثُ شكوى او تنثر نذور الدعاء ... تعلقت عيناها بغيمة مثقلة غطت فناء الدار ... أمطرت عيناها ... فأدمعت لها عين السحاب ...

انزلقت المرآة من بين اصابعها المرتعشة .. فعمّت شظاياها رقعة المكان ... وغطّى بعضها ثقوب الاوراق المتحلقة حولها وكأنها في موكب عزاء ...

dimanche 11 décembre 2011

الحقيــــــقة والســــــراب

الحقيـــــــــــــقة والســــــــــــــــــراب
قد تتجلى الحقيقة أمامنا كشعاع يبهر العيون ولكن يحلو للكثيرين ان يجعلوها سرابا.


فمـــــــــــــــــــــا سبب ذلـــــــــــــك؟
هل لأن الحقيقة كانت صادمة لهم، فعجزوا عن تحمل عبئها ام لأن نفسيتهم ترفض ذلك؟
إستغراب مشوب بالحيرة يعتريني أمام هذه الحالات ...


هل يرفض الإنسان التعايش وقبول الأمر الواقع لأنه لا يعثر على ما يريد فيه أم لأنه جاء مُخالفاً لرغباته وطموحه؟

وكأنه يلبس الواقع والحقائق الماثلة أمامه وشاح السراب ... وشاح نسجهُ وفق رؤاه وتطلعاته الخاصة وربما حتى أنانيته.


عندما يرفض الانسان حقيقة ما يجري أو حتى حقيقة ما يعتريه فهل يُعدّ ذلك من باب الهروب أم من باب التمني العكسي؟


متى تقبّل الانسان الحقيقة رغم مرارتها وقتامتها فإن ذلك يُعتبر بداية التأسيس والبناء ... هذه المرارة تمده بوسائل مناعة وتجعله يغوص عميقاً في طبقات ذاته حتى المخفية منها والمجهولة كما تمده بكل مفاتيح أسراره فتبدو عارية... ماثلة أمامه تنتظر من صاحبها رفع القناع عنها مهما كان وجهها بشع. 


هذه اللحظة المفصلية والتي يعجز الكثيرون عن مواجهتها تجعلهم يهرولون الخطى نحو السراب ... السراب إذن هو السكن والملاذ البديل عن الحقيقة المؤلمة.


هذا البيت العنكبوتي يمنح صاحبه عالماً وهمياً يشبك عليه سعادته المفترضة والمتخيلة.
هذا السكن البديل ... يمنحه ملجأ آمنا يمقت مغادرته ... بل وقد يقاوم من اجل الحفاظ عليه
... ولكن ألهذه الدرجة مخيفة هي الحقيقة أم أنه يستلذ بتلك السعادة الوهمية التي صنع فيها شخوصه ورتب الأدوار فيها بل أنه جعل كل الخيوط في يديه وتحت إمرته وحرّك الأحداث وفقاً لذكريات قديمة تختبىء تحت طيات عميقة في نفسيته ...


كثيرون يعيشون الواقع من خلال ذكرياتهم، هذه الذكريات التي يقتاتون منها وتمدهم بإكسير الحياة ... بل ويجعلون من ذكرياتهم الحديقة الخلفية الخاصة بهم والتي يرتعون فيها بكلّ حرية.


ذكريات لم ينجح الواقع في قبرها ولم يستطع إحياءها أو بعثها من جديد ورغم ذلك يتدثرّ بها أصحابها بل يجعلونها مصدر إنتماء، فإنتمائهم بالواقع مبتور وإنما يعيشون الواقع من خلال ذكرياتهم فقط، هذه السكنى التي تفصلهم عن الاخرين ولكن تتيح لهم الإنزواء بعيداً عن الواقع وحقيقة الأمور.


فهل يبدو السراب حلاً ام أســـــــــــــــــراً يأبى صاحبه أن يغادره ؟

jeudi 8 décembre 2011

قيـــــــود ... قيــــود

قيـــــــــــــــــــــــــــــــود
قيود....قيود.....قيود....قيود ............. كلمة تتكرر باستمرار، تلهج بها جميع الالسن،
ينطق بها الابناء تبرماً من مراقبة أولياء أمورهم ومحاصرتهم بفرمانات عدة.
كما يشكو بها التلاميذ النظام المدرسي وصرامة المدرسين وعبئ واجباتهم الدراسية.
يطلقها الموظف والذي يرى في القوانين الادارية خنقاً له.
تتبرم من خلالها الام التي ترزخ تحت الأعباء والمسؤوليات المنزلية.
يكررها الآباء والذين يرون في مسؤولياتهم قيوداً قد تفرض عليهم تحمل ما لايستطعون حمله.
حتى السائق يرى في قوانيين الطرقات قيداً له يقمع السياقة الحرّة التي يريد ممارستها دون الخضوع لإشارات المرور.
بل قد يصل الأمر بالكثيرين أن يشعروا أن عقيدتهم الفكرية أو الدينية أضحت قيداً ...

لكن كلّ هؤلاء والذين أغفلنا ذكرهم لو تمعنوا النظر قليلاً وطرحوا السؤال التالي:
كيـــــــــــــــــــف تكون الحياة دون هذه القيود؟
هـــــــــــــل تراهم يستدعون القيود كمطلب ضروري لضبط ايقاع الحياة؟
مجمل هذه القيود فرضتها الرغبة في بناء مجتعات يتيسرّ فيها التواصل الإجتماعي وفق منظومة أخلاقية ودينية وقانونية ونفسية أيضاً.
لنأخذ النموذج التالي: إنسان إستطاع الفكاك من كلّ ما يعتبره قيداً يحول دون حريته.

يعيش وفقاً لهواه، بلا مسؤوليات، متخفف من من أية أعباء، يعيش لنفسه فقط، متحرراً من أية منظومة أخلاقية أو دينية أو إجتماعية. فهل يستطيب تلك الحياة؟ هل تصبح لحياته معنى وهدف؟
ربما تذمرّ الكثيرون مما يعتبرونه قيوداً جاءت نتيجة ما خلفته تجاربهم من ضغوط نفسية وربما مادية وأسرية حتى باتوا مختنقين بها، بل وكأنها تكتم أنفاسهم، فتمنوا التحرر منها.
هذه القيود عدت أغلال لحريتهم، ولكن هل هذا يعني أن الحرية هي تحرر من كل قيد؟
يتراءى ذلك للكثيرين ولكن لو تمّ تحطيم تلك الاغلال نهائياً فهل يحققون ذواتهم ؟

هذه الذوات التي تجد صداها عند الآخر بل الاخرين، فلو ولد الإنسان دون رعاية ما أو رقابة اسرية وأيضا أزلنا عنه الأنظمة المدرسية وأسقطنا عن كاهله كل ناموس إجتماعي وحللناه من كلّ إلتزام ديني ... فكيف ستكون قاطرة حياته؟
يعيش من دون مسؤولية ومن غير هدف ودون فضاء إجتماعي يحضنه ويقيد بعض جوانب حياته من أجل تحقيق الحياة الاجتماعية.
لو جرّب أن يخوض هذه التجربة لرأيته رجع مهرولاً للحظيرة الإجتماعية بل أكثر من ذلك لوجدناه يصنع قيوداً تنتظم من خلالها حياته.
فأي قيمة لحياة الإنسان دون النهوض بمسؤولياتٍ عدة؟ فعبر تاريخه المديد وقبل نزول الشرائع اهتدى الى ضرورة سنّ شريعة تنظم نسق حياته لأنه يرى أن نجاحها لا يتحقق دون رزمة من القوانين أو القيود.

فلو فصّلنا الموضوع أكثر: كيف يكون حال الأبناء في غياب ما يسمونها القيود العائلية؟
أليس الضياع والإنحراف يكون المصير المحتوم؟ والقيود هنا لانعني بها القسوة أو الصرامة أو التعنيف أو اتباع اسلوب تربوي قهري بل نقصد المراقبة السلوكية والتوجيه والإرشاد والمتابعة لأن الأبناء في حالة تأسيس لكيانهم، وهذا البناء في حاجة الى أسس صلبة يستند إليها في عملية التشييد هذه، وتصبح المرجعية .. فلنفترض أن ينمو الطفل دون ذاك المنهاج أليس احتمالية مرافقة أصحاب السوء واردة؟ أليس تبني سلوكات إنحرافية جائزة؟

فعندما يضع الوالدان حدوداً معينة في التربية مثال .. إختيار الصحبة أو ضرورة معرفة جدول أبنائهم المدرسي أو رسم خارطة المسموح والغير مسموح، ألآ يدخل كلّ ذلك في باب الحفاظ على هذه النواة الإجتماعية والتي يتشكل منها المجتمع ككلّ.
فلو غفل الوالدان عن دورهما تحت تعلة رفع كل قيود وحدود فهل هما على إستعداد لتقبل نتيجة بل نتائج ذلك؟ أم أنهما سيتنكران لها من باب أيضاً التخفف من قيود الأبناء والعائلة؟

لو حطمنا الأنظمة المدرسية وقوانين الدراسة وجعلناها تتم وفق رغبة الطلبة فهل نحقق منظومة مدرسية ناجحة؟ أليست القوانين هنا هي عملية تشكيل وتهيئة التلميذ لدوره كمواطن ولا أتحدث هنا عما يعانيه التعليم ومواده من حالة تكلس أو رداءة أو حتى هيئة تدريس غير كفوؤة ولكن أتحدث ماذا لو كانت العملية التربوية ليست إجبارية أي من يريد ان يتعلم له ذلك ومن يرفض له ذلك... ومن يريد الإلتحاق بالفصل متى شاء ومتى عنّ له ذلك؟
هل نحقق نتائج؟ هل تنجح المنظومة الدراسية؟