jeudi 22 décembre 2011

عقدة الخواجا

عقدة الخواجه
الكثيرون في العالم العربي يعانون من عقدة الخواجه ... يتمسحون بأعتاب الغرب ... فكراً ونمط حياة لدرجة الإنسلاخ عن عالمه وبيئته ...

تعتقد هذه الفئة أن انجع واقصر السبل لبلوغ رضاء الآخر عنه هو التملص والتنكر لبيئته وتقاليده وعاداته الأصيلة ... لكن هل تراه سيبلغ الرضا ونيل المراد ...


قد يتبادر إلى ذهننا السؤال المنطقي التالي والذي يمكننا من الوقوف علي طبيعة هذه الشخصيات والسؤال هو: ما سبب حالة الضياع هذه؟

قد يكون لتراجع مكان أمته على مختلف الصُعد قد خلّفت حالة العقوق هذه، ولكن أليس هذا نوع من الهروب ودليل عجز عن تغيير الاوضاع؟ فاختار أن يرتدي جلباب الآخر الذي حيك على مقاس أصحابه الاصليين ...


كما لا يفوتنا أن سيطرة ثقافة الآخر في ظل نظام العولمة، جعل رقاب هذه الفئة تشرئب اليها معتقدة انها النموذج الامثل والاوحد والمنقذ الوحيد مما نحن فيه مع أنهم لو تمعنوا ودققوا النظر قليلاً ... لرأوا اننا كنّا في مرمى هدف الاخرين ... لنفترض جدلاً أننا تبنينا نموذج الاخر.

- فهل سيُسمح لنا بالتحول من سوق استهلاكية ضخمة لمنتجاتهم الى منتجين منافسين لهم؟
- هل سيسمحون لنا بامتلاك ناصية التقنية وتوظيفها لمصالحنا كما يفعلون؟
- هل سيرضون بان تكون لنا صناعة عسكرية ودفاعية وردعية تحمي الديار؟


رزمة الـ "هل" هذه تكشف أي نوع من العلاقة يريدها الآخر منّا نحن ... إنه لا يرضى لنا بالنديّة بل بالدونية وهذه الاخيرة تديمنا رهينة إقتصادية وسياسية وثقافية لديه ...

لا أعتقد أن هذه الامور تغفل عنها تلك الفئة التي تنادي بالتغريب ... الفئة التي ترى أن الاستنساخ، حتى وإن كان مُشوها هو الحل الأمثل ... لكن ما يلفت الإنتباه إليه هو أن طروحاتهم ودعواهم تلقى الإحتقار أكثر من الإحترام غربياً.

إن هذه الفئة والتي تُعاني من تشوهات نفسية عدة منها: الشعور بالقزمية والدونية والانبهار بالآخر والذي أضحى يُشكل عقدة مستديمة لديها، سبب لها الإعاقة من أن تكون فاعلة ومنتجة ومبتكرة ومبدعة باعتبار أنها تحاول أن تستورد نموذج جاهز وإسقاطه على الواقع والبيئة ... ولو أن هذه الفئة إتبعت سبيل التحليل والمعاينة والمراقبة دون مركبات نقص لتسنى لها تحقيق الحلول التي تُناسب واقعها وإرثه الثقافي والحضاري....

من الغرائب التي نراها في واقعنا المُعاش وجود بعض من هؤلاء الذين يرفضون الإعتراف بقيم حضارتهم العربية وتاثيراتها المباشرة وغير المباشرة على الغرب، حتى أن يصل لمرحلة الجحود الكلي والتنصل من أي دور لهذه الحضارة فيما وصل إليه الغرب من حضارة، بينما نرى أن الغرب أنفسهم يؤكدون الدور والتأثير والتلاقح في شهادة حق صادقة.

هذه الفئة والتي تعيش حالة صدمة ربما مما وصل اليه الحال، تعاني حالة إنفصام شديدة بين الرغبة في الانتماء للاخر والذي يزدريها والشعور باليتم لإفتقاده حالة التواصل مع واقعه الذي يكتنف خصوصيته وهويته والتي تجعله يختلف عن الاخر وفقاً لمعطيات تاريخية وحضارية وثقافية وعقائدية وحتى جغرافية ... والاختلاف لايعني التميز أو التفاضل بقدر ما تعني التمايز ...

فعملية التغريب ضاعفت من تمزقهم النفسي وعمقت من حالة الضياع عندهم فما استطاعوا أن يكونوا الآخر وما نجحوا في الحفاظ على كينوناتهم وذواتهم ...


فلعل إيقاع الثورات العربية والتي أدهشت الغرب ذاته تجعلهم يستردون توازنهم ويعيدون حساباتهم ويراجعون طروحاتهم فيعثرون على أنفسهم ...

dimanche 18 décembre 2011

أغداً أراه

لملمتُ اشيائي برفقٍ وجعلتها بين اصابعي ..

أهو القمر ما أنار شُباكَ غُرفتي؟ آهـ ..

غداً سأراه ...

لا أدري لماذا تُطالعني الليالي بصمتها وشُجيرات الفناء تهتزُ طرباً لفرحي ...

أغداً أراه؟

وأشيائي تِلكَ التي بين اصابعي سأُخفيها تحتَ وسادتي ليُدفِئُها حلم الإنتظار، لكِن النوم يهجُرني مُنذ ولادتي ...

وسُرعان ما يأتي ضوء الصباح
كيف سيكون لقاؤنا وكيف يكون عندها همس الحروف؟ ...


إنه القلبُ يخفقُ لا محال ينزوي في ركنِ صدري يختفي بين المُحال

الرعشة نفسها تُداعب نبرات صوتي تهتف أين وكيف سنلتقي؟

أتُراه يضمني إليه؟ ليسرقَ من شفتيَّ خمرة العُشق والقبلات ...

كم تناوبت الشفاهُ على المصير وكم داعبت رعشاتها صوت الأنين ...

عيناي تلك التي ما طالعت سِواه منذ قبل العمر منذ قبل الكون منذ قبل الخلق ...

يومها أحببت الفناء واليوم أحببت اللقاء

تتناوب الهمسات في اذني ...


أتُراه سيعلم ما خبّأت في قلبي؟

وعيناه التي تتماوج الأحلام في شطآنها تدعوني لقطف قطرات المطر من غيم السماء ...

رباه لا أعلم أتُراه سيقرأ اسمه بين الشفاه بل بين خلجات القلب المعذب في هواه ...

وبين قصاصات أوراقي تتدلى بعض الحروف المعطرة تناديه كل مساء ...
وغداً ... غداً سيأتي الحلم حقيقة ليتلقف الأماني من صدر السماء ...

samedi 17 décembre 2011

نعيمــــــــة

نعــــــــــــــــيمة

تأملت طفل شقيقتها الصُغرى وهي تحمله بين ذراعيها ... لو تزوجت قبل ثلاثين عاماً هل سيكون من تحمله الآن حفيدها ... تساءلت في صمتها المعتاد والقت نظرة نحو مغيب الشمس وافول الحياة.


ولطالما رددت ذلك بينها وبين نفسها لكنها اليوم القت حملها بعيداً نحو مجهول الزمان وعادت لترتوي من حاضر لن يعود ...


هي الآن في عقدها الخامس لكن الزمن غضَّ بصره عنها وابعد ما تجده النساء في سنها فما توشح وجهها الملائكي إلآ بالحنان ... كنّا نلقبها بآثار الحكيم فمن يا تُرى تُشبه الأخرى؟ ... لكن لها عينان تختزنان في سرهما حُزناً دفين ألقى عليها جماله السادر وراء محيط الأيام ... هل ما اعتراها شروداً؟ أم تُراه قنوطاً ألبسها ذاتَ يومٍ خريفيِّ أنيقَ الحُزن وجماله الأخاذ ... هل للحزن جمال؟


كلّما مرّت بجانبها أمٌ تحتضن طفلها إلا وتعلّقت به عينيها ... تتّبعُ آثار خطواتها ... يُومض بريقٌ من عينيها لو ابتسم لها ذاك الرضيع ... أتُراه يعلم ما اعتراها ... أليست البسمة رسالة إعلان عن حبه لها؟ ... هكذا كانت دائماً في خلواتها تسرّ لنفسها ... وكلما تباعد الطفل غاصت في الأعماق عيناها ... أتُراها تريد إخفاء ما فضحته العيون ... فترتدّ بهما صوب المجهول ...؟


تتساءل في صمت المريب أنّاتها وعيناها تتفحصان من مكانها رزنامة قديمة لم تُعد تذكرُ من ألصقها على حائط غرفتها، فيما ألقت عن رأسها شالها الأبيض ثم أغمضت عينيها حينما القت جسدها الغضّ على السرير ... لماذا تصدرت قائمة اخواتها؟ تساءلت ونظراتها تجول في سقف الغرفة كأنها تبحث عن جواب ... لو خيروها ... آهـ .. لو ... زفرت بها على عجلٍ قائلة: لو خيروني لما ارتأيت ان أكون بكر والديَّ ... ربما أختار أن أكون الوسطى لما لا ... وعانقت في الشرود وسادتها ثم رددت أو الصغرى! نعم (تجيب نفسها) وكأنها ايقنت ... أن لا فرق بينهما مادام هناك من يسبقنا في المجيىء ليُهيىء لنا سُبل الطريق ...

لقد تحملت مسؤولية الورثة القادمين ... ووراءها هناك قرب شجرة الزيتون منحت لأبيها بقعة طاهرة في أرض حديقتها لم تدم وحدته طويلاً فسرعان ما أنسابت والدتها قربه ... وانهارت سُبل الأحلام وراء آخر حبة رمل غطتها بها ... لم تُلقي على القبر أنينها ولم تذرف الدمع يوم الحزن عيناها ... كالخيمة ضمت إخوتها إليها تحيك الليل مع خيوط الفجر فلا يوجد تحت السماء إلآها ... والآن منحت لكلٍ سبيله وانفض من حولها الجمع ... فزيارتها لا تكون إلا كلّما أثقلت الحياة موازينها ليلقوا ما ثقُل عندها.


في رحلتها اليومية بعدما غزا الشيب قلبها ومقلتيها واحتفى مؤخراً بالشيب شعرها ... تجالس تلك الشجرة التي أينعت بيديّ أبيها ومن بعده بيديها وكأنها مركز لعالمها ففي وسط الباحة ألقت جذورها لتُعلن إنتماؤها لهذا الدار ... توأمها هي ...غُرست يوم تسلمت من الحياة موطىء أقدامها ... شجرة الليمون تلك بلا شكٍ رفيقة عمرها وأنيسة وحشتها ... تسامرها ... تنادمها وتُسِّر بعض شجونها و أقاصيص الحي تلقيها لها كم إحتفلت معها بأحلامها ... طقوس تبدأ بعد الفجر وعند إرتشاف قهوة الصباح فيما خيوط الشمس تنسج ردائها على وريقات الشجر وأرض الفناء لكنها لا تنتهي إلآ في جلسة التأمل قبل النوم عند المساء ...

ذات يومٍ خريفي ... التقطت احدى الورقات المنهارة ... تفحصتها ... تأملتها ... مررت كفها عليها جيئة وذهابا ... ثقوب صغيرة ... ارتدّت يدها الى وجهها تتحسسّ خدها ... لترتقي وتلمس الجفون ... جبهتها ... نفس اليد امتدَّت للمرآة القابعة منذ سنوات على حافة الشباك ... نفس المرآة التي كانت ترى فيها نضارتها ... شبابها ... امازالت تحفظ اسرارها القديمة ام ضيعتها مع الزمان ...


وبيد مرتعشة حطمها القلق عكست المرآة على وجهها ... أنفها الشامخ ... مازال كما هو ويأبى الإنكسار ... تباعدت رعشاتها قليلاً كأنه ناقوس اطمئنان لتكمل رحلتها ... وعلى خدها الأيسر طالعها الصفاء ... فتنفست من فرحها الصعداء... استعادت يدها الثقة والاصرار ... احالتها على الخد الايمن ... توقفت عنده كثيرا ... تلمسته باليد الاخرى وكأنها تمحو بعض الشحوب ... وتقارن به خدها الأيسر ... ما الذي اعتراه؟ ... ماذا يكسو صفحته ... تراجعت الى ظهر الكرسي المتهالك ... اصفر الوجه وعلاه الشحوب ... أعادت حمل الورقة التي تصفحتها منذ قليل ... حدّقت بها مليّا ... أعادت تحسس خدها الايمن ...انها نفس الثقوب ...


شردت ببصرها صوب السماء ... كأنها تبثُ شكوى او تنثر نذور الدعاء ... تعلقت عيناها بغيمة مثقلة غطت فناء الدار ... أمطرت عيناها ... فأدمعت لها عين السحاب ...

انزلقت المرآة من بين اصابعها المرتعشة .. فعمّت شظاياها رقعة المكان ... وغطّى بعضها ثقوب الاوراق المتحلقة حولها وكأنها في موكب عزاء ...

dimanche 11 décembre 2011

الحقيــــــقة والســــــراب

الحقيـــــــــــــقة والســــــــــــــــــراب
قد تتجلى الحقيقة أمامنا كشعاع يبهر العيون ولكن يحلو للكثيرين ان يجعلوها سرابا.


فمـــــــــــــــــــــا سبب ذلـــــــــــــك؟
هل لأن الحقيقة كانت صادمة لهم، فعجزوا عن تحمل عبئها ام لأن نفسيتهم ترفض ذلك؟
إستغراب مشوب بالحيرة يعتريني أمام هذه الحالات ...


هل يرفض الإنسان التعايش وقبول الأمر الواقع لأنه لا يعثر على ما يريد فيه أم لأنه جاء مُخالفاً لرغباته وطموحه؟

وكأنه يلبس الواقع والحقائق الماثلة أمامه وشاح السراب ... وشاح نسجهُ وفق رؤاه وتطلعاته الخاصة وربما حتى أنانيته.


عندما يرفض الانسان حقيقة ما يجري أو حتى حقيقة ما يعتريه فهل يُعدّ ذلك من باب الهروب أم من باب التمني العكسي؟


متى تقبّل الانسان الحقيقة رغم مرارتها وقتامتها فإن ذلك يُعتبر بداية التأسيس والبناء ... هذه المرارة تمده بوسائل مناعة وتجعله يغوص عميقاً في طبقات ذاته حتى المخفية منها والمجهولة كما تمده بكل مفاتيح أسراره فتبدو عارية... ماثلة أمامه تنتظر من صاحبها رفع القناع عنها مهما كان وجهها بشع. 


هذه اللحظة المفصلية والتي يعجز الكثيرون عن مواجهتها تجعلهم يهرولون الخطى نحو السراب ... السراب إذن هو السكن والملاذ البديل عن الحقيقة المؤلمة.


هذا البيت العنكبوتي يمنح صاحبه عالماً وهمياً يشبك عليه سعادته المفترضة والمتخيلة.
هذا السكن البديل ... يمنحه ملجأ آمنا يمقت مغادرته ... بل وقد يقاوم من اجل الحفاظ عليه
... ولكن ألهذه الدرجة مخيفة هي الحقيقة أم أنه يستلذ بتلك السعادة الوهمية التي صنع فيها شخوصه ورتب الأدوار فيها بل أنه جعل كل الخيوط في يديه وتحت إمرته وحرّك الأحداث وفقاً لذكريات قديمة تختبىء تحت طيات عميقة في نفسيته ...


كثيرون يعيشون الواقع من خلال ذكرياتهم، هذه الذكريات التي يقتاتون منها وتمدهم بإكسير الحياة ... بل ويجعلون من ذكرياتهم الحديقة الخلفية الخاصة بهم والتي يرتعون فيها بكلّ حرية.


ذكريات لم ينجح الواقع في قبرها ولم يستطع إحياءها أو بعثها من جديد ورغم ذلك يتدثرّ بها أصحابها بل يجعلونها مصدر إنتماء، فإنتمائهم بالواقع مبتور وإنما يعيشون الواقع من خلال ذكرياتهم فقط، هذه السكنى التي تفصلهم عن الاخرين ولكن تتيح لهم الإنزواء بعيداً عن الواقع وحقيقة الأمور.


فهل يبدو السراب حلاً ام أســـــــــــــــــراً يأبى صاحبه أن يغادره ؟

jeudi 8 décembre 2011

قيـــــــود ... قيــــود

قيـــــــــــــــــــــــــــــــود
قيود....قيود.....قيود....قيود ............. كلمة تتكرر باستمرار، تلهج بها جميع الالسن،
ينطق بها الابناء تبرماً من مراقبة أولياء أمورهم ومحاصرتهم بفرمانات عدة.
كما يشكو بها التلاميذ النظام المدرسي وصرامة المدرسين وعبئ واجباتهم الدراسية.
يطلقها الموظف والذي يرى في القوانين الادارية خنقاً له.
تتبرم من خلالها الام التي ترزخ تحت الأعباء والمسؤوليات المنزلية.
يكررها الآباء والذين يرون في مسؤولياتهم قيوداً قد تفرض عليهم تحمل ما لايستطعون حمله.
حتى السائق يرى في قوانيين الطرقات قيداً له يقمع السياقة الحرّة التي يريد ممارستها دون الخضوع لإشارات المرور.
بل قد يصل الأمر بالكثيرين أن يشعروا أن عقيدتهم الفكرية أو الدينية أضحت قيداً ...

لكن كلّ هؤلاء والذين أغفلنا ذكرهم لو تمعنوا النظر قليلاً وطرحوا السؤال التالي:
كيـــــــــــــــــــف تكون الحياة دون هذه القيود؟
هـــــــــــــل تراهم يستدعون القيود كمطلب ضروري لضبط ايقاع الحياة؟
مجمل هذه القيود فرضتها الرغبة في بناء مجتعات يتيسرّ فيها التواصل الإجتماعي وفق منظومة أخلاقية ودينية وقانونية ونفسية أيضاً.
لنأخذ النموذج التالي: إنسان إستطاع الفكاك من كلّ ما يعتبره قيداً يحول دون حريته.

يعيش وفقاً لهواه، بلا مسؤوليات، متخفف من من أية أعباء، يعيش لنفسه فقط، متحرراً من أية منظومة أخلاقية أو دينية أو إجتماعية. فهل يستطيب تلك الحياة؟ هل تصبح لحياته معنى وهدف؟
ربما تذمرّ الكثيرون مما يعتبرونه قيوداً جاءت نتيجة ما خلفته تجاربهم من ضغوط نفسية وربما مادية وأسرية حتى باتوا مختنقين بها، بل وكأنها تكتم أنفاسهم، فتمنوا التحرر منها.
هذه القيود عدت أغلال لحريتهم، ولكن هل هذا يعني أن الحرية هي تحرر من كل قيد؟
يتراءى ذلك للكثيرين ولكن لو تمّ تحطيم تلك الاغلال نهائياً فهل يحققون ذواتهم ؟

هذه الذوات التي تجد صداها عند الآخر بل الاخرين، فلو ولد الإنسان دون رعاية ما أو رقابة اسرية وأيضا أزلنا عنه الأنظمة المدرسية وأسقطنا عن كاهله كل ناموس إجتماعي وحللناه من كلّ إلتزام ديني ... فكيف ستكون قاطرة حياته؟
يعيش من دون مسؤولية ومن غير هدف ودون فضاء إجتماعي يحضنه ويقيد بعض جوانب حياته من أجل تحقيق الحياة الاجتماعية.
لو جرّب أن يخوض هذه التجربة لرأيته رجع مهرولاً للحظيرة الإجتماعية بل أكثر من ذلك لوجدناه يصنع قيوداً تنتظم من خلالها حياته.
فأي قيمة لحياة الإنسان دون النهوض بمسؤولياتٍ عدة؟ فعبر تاريخه المديد وقبل نزول الشرائع اهتدى الى ضرورة سنّ شريعة تنظم نسق حياته لأنه يرى أن نجاحها لا يتحقق دون رزمة من القوانين أو القيود.

فلو فصّلنا الموضوع أكثر: كيف يكون حال الأبناء في غياب ما يسمونها القيود العائلية؟
أليس الضياع والإنحراف يكون المصير المحتوم؟ والقيود هنا لانعني بها القسوة أو الصرامة أو التعنيف أو اتباع اسلوب تربوي قهري بل نقصد المراقبة السلوكية والتوجيه والإرشاد والمتابعة لأن الأبناء في حالة تأسيس لكيانهم، وهذا البناء في حاجة الى أسس صلبة يستند إليها في عملية التشييد هذه، وتصبح المرجعية .. فلنفترض أن ينمو الطفل دون ذاك المنهاج أليس احتمالية مرافقة أصحاب السوء واردة؟ أليس تبني سلوكات إنحرافية جائزة؟

فعندما يضع الوالدان حدوداً معينة في التربية مثال .. إختيار الصحبة أو ضرورة معرفة جدول أبنائهم المدرسي أو رسم خارطة المسموح والغير مسموح، ألآ يدخل كلّ ذلك في باب الحفاظ على هذه النواة الإجتماعية والتي يتشكل منها المجتمع ككلّ.
فلو غفل الوالدان عن دورهما تحت تعلة رفع كل قيود وحدود فهل هما على إستعداد لتقبل نتيجة بل نتائج ذلك؟ أم أنهما سيتنكران لها من باب أيضاً التخفف من قيود الأبناء والعائلة؟

لو حطمنا الأنظمة المدرسية وقوانين الدراسة وجعلناها تتم وفق رغبة الطلبة فهل نحقق منظومة مدرسية ناجحة؟ أليست القوانين هنا هي عملية تشكيل وتهيئة التلميذ لدوره كمواطن ولا أتحدث هنا عما يعانيه التعليم ومواده من حالة تكلس أو رداءة أو حتى هيئة تدريس غير كفوؤة ولكن أتحدث ماذا لو كانت العملية التربوية ليست إجبارية أي من يريد ان يتعلم له ذلك ومن يرفض له ذلك... ومن يريد الإلتحاق بالفصل متى شاء ومتى عنّ له ذلك؟
هل نحقق نتائج؟ هل تنجح المنظومة الدراسية؟

mercredi 7 décembre 2011

قصة إسلام أمينة أسيلمي

قصة إسلام أمينة أسيلمي
ترجمة : الأستاذ زكي الطريفي
البداية والقرار:
كنت في بداية السنة النهائيّة للحصول على درجتي العلميَّة في دراسة (وسائل الترفيه)، عندما قابلت أوَّل مجموعةٍ من المسلمين في حياتي. وقد كانت السَّنة الأولى التي كُنَّا فيها نستطيع أن نُسجِّل للفصل من خلال الحاسوب، فسجَّلت ثمّ ذهبت لأهتمّ ببعض الأعمال العائليَّة في (أوكلاهوما). فأخذ العمل مني فترةً أطول مما كنت أظنُّ بحيث عدت متأخِّرةً أسبوعين على بداية الفصل. ولكنِّي لم أكن قلقةً حول تعويض ما فاتني، لأنِّي كنت الأولى في صفّي. ومع كوني طالبة في ذلك الوقت كنت أفوز بالجوائز أثناء منافستي مع المتخصِّصين في هذا المجال.
ويجب أن أقول أيضاً بأنِّي كنت خجولةً جدّاً، على الرغم من أنِّي كنت أذهب إلى الكليِّة وأحصل على العلامات العالية، وأُدير عملي الخاص، وعلى الرغم من وجود العديد من الأصدقاء المقرَّبين الّذين كانوا من حولي. فكنت كثيرة الصَّمت، وبطيئةً جدّاً في التعرُّف إلى الناس، فمن النادر أن أتحدَّث لأيِّ أحدٍ إلا إذا اضطررت لذلك أو إن كنت أعرفه من قبل. كانت الدروس التي آخذها تتطلب مني أن أقوم ببعض الأمور الإداريَّة والتّخطيط المدني، بالإضافة إلى وضع البرامج الّتي تناسب الأطفال، فكانوا هم الوحيدين الذين أشعر معهم بالراحة.
حسناً... فلنعد إلى قصتنا. كان التوزيع الذي قام به الحاسوب قد خبَّأ لي مفاجأةً عظيمةً، فقد كنت مُسجَّلةً في مادةٍ مسرحيَّةٍ حيث كنت مُلزمةً بالتمثيل الحيِّ أمام الجمهور. أصابني الخوف الشديد بسبب ذلك، فأنا لا أكاد أتجرَّأ على طرح بعض الأسئلة في قاعدة الدرس، فكيف يمكنني أن أقف على المسرح أمام كلِّ الناس؟! حدَّثت زوجي عن ذلك ولكنَّه كان هادئاً كعادته دائماً، فاقترح عليَّ أن أتحدَّث مع الأستاذ وأشرح له المشكلة، وأن أتَّفق معه على قيامي بكتابة النصِّ أو تجهيز الملابس. ووافق الأستاذ على أن يحاول مساعدتي للخروج من هذا المأزق. وهكذا ذهبت إلى الدرس يوم الثلاثاء التالي.
عندما فتحت باب القاعة لأدخل تلقّيت الصّدمة الثانية. فقد كانت القاعة مليئةً بـ(العرب) أو (لاعبي الجوكي على الجمال) كما يحلو للبعض تسميتهم. حسناً... لم أكن أبداً قد شاهدت أحداً من العرب من قبل ولكنِّي كنت قد سمعت بهم. فما كان مني إلا أن قرَّرت أني -ولا بأيِّ طريقةٍ- لا يمكنني الجلوس في غرفةٍ مليئةٍ بالكفرة القذرين! بل خطر لي أيضاً بأنَّه من الممكن أن ينتقل إليِّ أحد الأمراض المخيفة من أحدهم. فكلُّ الناس كانوا يقولون بأنَّهم قذرون، وأنّهم ليسوا أهلاً للثقة أيضاً. فما كان مني إلا أن أغلقت الباب وعدت أدراجي إلى البيت. ولكني يجب أن أذكر شيئاً صغيراً الآن. فحين كنت أفكّر بهذه الطريقة كنت ألبس سروالاً جلديّاً مثيراً، وحِذاءً ذا كعبٍ عالٍ، وكأس الخمر في يدي... لكنّهم هم الذين كانون (السَّيئين) في نظري!
عندما أخبرت زوجي عن أولئك الطلاب العرب، وأنَّه ولا بأيِّ حال يمكن أن أعود إلى هناك، هدَّأ من روعي بطريقته الهادئة، وذكّرني بأنِّي كنت دوماً أدَّعي بأنّ لله تعالى دائماً سبباً لكلّ شيء، ولربما يتوجَّب عليَّ التفكير جيداً بهذا الأمر قبل أن أتَّخذ قراراً نهائيّاً. وذكّرني أيضاً بأنّ لديَّ منحةً دراسيةً، فإذا كنت أريد المحافظة عليها فإنه يجب عليَّ المحافظة على مُعدّل علاماتي وإلا فإنّ أمراً كهذا يمكن أن يحطّم كلّ شيء. فصلَّيت لله تعالى في اليومين التاليين داعيةً إيَّاه الرَّشاد. وفي يوم الخميس عُدت إلى الصفّ وكان لديَّ اعتقادٌ بأنّ الله تعالى دبَّر هذا لكي أُخلّص أولئك المساكين الكفرة من عذاب جهنم.
بدأت تدريجيّاً أشرح لهم كيف أنهم سيحترقون في جهنم خالدين فيها، إذا لم يقبلوا المسيح (عليه الصلاة والسلام) كمُخَلّصٍ لهم، فتعاملوا معي بلطفٍ جمّ ولكنَّهم لم يهتدوا! عندئذٍ، شرحت لهم كيف أنّ المسيح (عليه الصلاة والسلام) يحبهم وكيف مات على الصليب ليُخلّصهم من آثامهم. وكلّ ما عليهم فعله لينقذوا أنفسهم هو أن يقبلوه في قلوبهم. فظلّوا على نفس المستوى من اللّطف معي، ولكنّهم ما زالوا لا يهتدون!!! ولهذا قرّرت أن أقرأ كتابهم المقدس لأريهم بأنَّ الإسلام دينٌ مُزيَّفٌ وأنَّ محمداً (صلى الله عليه وسلم) إلهٌ مزيَّف. فأعطاني أحدهم نسخةً من ترجمة القرآن الكريم وكتاباً آخر عن الإسلام، وبدأت دراستي. كنت على يقينٍ بأنّي سأجد الدليل الذي أحتاجه وبسرعةٍ كبيرة. لكنّي قرأت القرآن الكريم والكتاب الآخر، ومن ثمّ قرأت خمسة عشر كتاباً أخرى، كان من بينها صحيح مسلم، ثم عدت إلى القرآن الكريم. فقد كنت مُصمِّمةً على هدايتهم! وهكذا استمرت دراستي للإسلام سنةً ونصف.
خلال ذلك الوقت، بدأت تظهر بعض المشكلات بيني وبين زوجي. فقد كنت أتغيَّر، ومع أنّ هذا التغيُّر كان في بعض الأمور فقط إلا أنها كانت كافيةً لإزعاجه. فلم أعد أريد الذهاب إلى الخمَّارات والحفلات التي اعتدنا الذهاب إليها كلّ جمعةٍ وسبت. وأصبحت أكثر هدوءاً وأكثر بُعداً عنه. فوصل إلى يقينٍ بأنّ لي علاقةً غير شرعيّة، ولذلك قام بطردي من البيت. فانتقلت إلى شقّةٍ أخرى مع أطفالي، ومع كلّ هذا فقد واصلت جهودي مُصمِّمة على هداية أولئك المسلمين إلى المسيحيَّة!
وفي أحد الأيام طُرق بابي، وحين فتحت الباب رأيت رجلاً يلبس ثوباً أبيضَ طويلاً للنوم وعلى رأسه قطعة قماشٍ كاروهات حمراء اللون، وكان يرافقه ثلاثةٌ من الرجال في ملابس نومهم أيضاً! (لقد كانت هذه هي المرة الأولى التي أرى فيها عرباً في لباسهم التقليديّ). فشعرت بأنهم أهانوني إهانةً عظيمة. فكيف يسمحون لأنفسهم بأن يطرقوا بابي وهم يرتدون ملابس النوم؟! وأيّ نوعٍ من النساء يظنني هؤلاء؟! وتخيَّلوا صدمتي عندما قال لي الرجل الذي يلبس الخرقة الحمراء على رأسه بأنه يفهم رغبتي في أن أُصبح مسلمة! فأعلمته -وبسرعةٍ- بأنّي لا أريد أن أُصبح مسلمة. ثم تداركت قائلة بأنِّي -وعلى الرغم من ذلك- لديَّ بعض الاستفسارات، إذا كان لديه الوقت.
فمنحني الأخ عبدالعزيز الوقت الكافي، وكان صبوراً جدَّاً في نقاشه معي حول كلّ المسائل. ولم يُشعرني على الإطلاق بأني سخيفةٌ أو أن سؤالي سؤالٌ غبيٌّ. وسألني إن كنت أُومن بأنّ هناك إلهاً واحداً، فقلت: نعم. فسألني إن كنت أُومن بأنّ محمداً صلى الله عليه وسلم كان رسولاً لله تعالى، ومرةً أخرى قلت: نعم. فقال لي: أنت بهذا مسلمة! فجادلته بأني مسيحيّة وأنّي فقط أُحاول أن أفهم الإسلام. أما في داخل نفسي فإنّي كنت أُفكّر: "أنا لا أستطيع أن أُصبح مسلمة، فأنا أمريكيّةٌ بيضاء! وماذا سيقول زوجي؟! وإذا أصبحت مسلمةً فإنّي يجب أن أُطَلّق من زوجي، وعائلتي ستنتهي".
ثم أوضح لي لاحقاً بأنّ تحصيل المعرفة والفهم الروحيّ ما هو إلا كصعود السلّم: "فإذا كنتِ صاعدةً على السلّم وحاولت أن تقفزي عدة درجات مرة واحدة فإن هناك خطورة السقوط. فالشهادتان ما هما إلا الدرجة الأولى على السلم، وهناك أمورٌ كثيرةٌ يجب أن نتحدث عنها". وفي وقتٍ لاحقٍ من مساء ذلك اليوم -الحادي والعشرين من آذار لسنة 1977م وعند صلاة العصر- أعلنت إسلامي. ولكن بما أنّه كانت هناك أمورٌ لم أكن قد تقبَّلتها بعد، وحيث إنّ الصِّدق كان من طبعي دائماً، فقد قمت بإضافة بعض الكلمات إلى الشهادتين فكانت كالتالي: "أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أنّ محمداً رسول الله" وأضفت: "ولكنِّي لن أُغطّي شعري أبداً، وإذا أخذ زوجي زوجةً أُخرى غيري فإني سوف أقوم بـ...". فسمعت همهماتٍ من بعض الرجال، ولكنَّ عبد العزيز أسكتهم. وعلمت فيما بعد أنّه أخبرهم ألا يناقشوا هذين الأمرين معي مُطلقاً. لقد كان على قناعةٍ بأنِّي سأصل وحدي إلى الفهم الصحيح لهما.
كانت الشهادتان حقّاً هما الخطوة الأولى على سلّم المعرفة الروحيَّة والقُرب من الله تعالى التي حصَّلتها مع مرور الوقت. وواصل عبد العزيز زيارتي والإجابة على أسئلتي. أدعو الله تعالى أن يجزيه خير الجزاء على صبره وتسامحه. فهو لم يُقَلّل من قدْري، ولم يتفاعل تجاه أيِّ تساؤلٍ كنت أطرحه على أنَّه سؤالٌ سخيفٌ أو غبيّ، بل كان يتعامل مع كلّ سؤالٍ بحصافة، وكان يخبرني دائماً بأنَّ أغبى سؤالٍ هو ذاك الذي لم يُسأل أبداً. آه... هذا ما اعتادت جدتي قوله أيضاً! لقد شرح لي كيف أنّ الله تعالى حثَّنا على طلب العلم والطُّرق التي يمكن أن تزيدنا قُرباً منه. وعندما كان يشرح لي أمراً ما، كان هذا وكأنَّك تراقب زهرةً أمامك كيف تتفتَّح ورقةً ورقةً حتى تصل إلى ذروة الروعة في جمالها. وعندما كنت أخبره بأنَّني لا أُوافق على أمرٍ ما ولماذا، كان دائماً يقول: "أنت مُحقَّةٌ إلى حدٍّ ما"، ومن ثمّ كان يُريني كيف أنظر في عمق المسألة ومن جوانبها المتعدِّدة لكي أصل إلى الفهم التام، والحمد لله!
تعلّمت بمرور الأعوام على يد كثيرٍٍ من الشيوخ. كان كلٌّ منهم مُتميّزاً بشكل ٍ خاص، مع اختلافهم عن بعضهم البعض. وأنا شاكرةٌ لكلٍّ منهم على ما قدَّموه لي من العلم والمعرفة. فقد علَّمني كلٌّ منهم كيف أُنمِّي إيماني وحبِّي للإسلام. وبازدياد معرفتي كانت التغييرات في حياتي تظهر بوضوحٍ أكبر. ففي السنة الأولى بدأت بوضع الحجاب. لا أدري متى بدأت، فقد جاء هذا الأمر تلقائيّاً مع ازدياد معرفتي وفهمي للإسلام. وحتى إنَّني أيضاً بدأت أُناصر تعدُّد الزوجات. فقد أدركت بأنَّ الله تعالى ما كان ليشرع هذا الأمر إلا إذا كان نافعاً، وتدَّبروا قول الله تعالى: (سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأعْلَى . الذي خَلَقَ فَسَوَّى . وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى . وَالّذِي أَخْرَجَ الْمَرْعَى . فَجَعَلَهُ غُثَاءً أحْوَى . سَنُقرِئُكَ فَلا تَنْسَى . إلا ما شَاءَ الله إنَِّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ وَمَا يَخْفَى . وَنُيَسِّرُكَ لليُسْرَى) (الأعلى: 1-8).
عندما كنت في بداية دراستي للإسلام، لم أتوقّع أن أجد شيئاً اُريده أو أحتاجه في حياتي الخاصَّة، ولم أكن أظنُّ بأنّ الإسلام يمكن أن يُغيِّر أسلوب حياتي. وفي ذلك الوقت لم يكن لأحدٍ أن يُقنعني بأنِّي سأكون في سكينةٍ وحبٍّ غامرٍ وسعادةٍ بسبب الإسلام.
إنّ هذا الكتاب يتحدَّث عن الإله الواحد خالق الكون. إنّه يصف الطريقة الجميلة التي يُنظّم بها العالم. هذا القرآن العظيم يحوي بين دفّتيه كلَّ الإجابات، فالله تعالى هو الودود، وهو السَّلام، وهو الحافظ، وهو الغفور، وهو الرزَّاق، وهو المدبِّر، وهو الكريم، وهو المجيب، وهو الولي، وهو المُغني! (ألَمْ نَشْرَح لَكَ صَدرْكَ . وَوَضَعْنَا عَنْكَ ِوزْرَكَ . الّذِي أنْقَضَ ظَهْرَكَ . وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ . فَإنِ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً . إِنْ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً) (الشرح: 1-6). فالقرآن الكريم يعالج كلّ مسائل الوجود ويُرينا الطريق الواضح للفلاح، إنه الخارطة التي تُبيّن لنا طُرُقَ الفوز بمغفرة الله تعالى، وهو (الدَّليل المرشد للحياة) من صانع الحياة سبحانه وتعالى. وإذا سألتموني كم غيَّر الإسلام حياتي، فإنِّي أقول: "كم كنَّا سنحبُّ النُّور لو أنَّنا عشنا فترةً في الظلام". فالإسلام لم يؤثّر في حياتي فقط، بل غيَّرها تماماً.
حياتي العائليّة
كنت وزوجي يُحبُّ أحدنا الآخر حبّاً عظيماً ما زالت آثاره باقيةً إلى الآن في قلبينا. ولكنَّ بعض المشكلات بدأت تظهر بيننا عندما بدأتُ دراستي للإسلام. فقد رآني أتغيَّر ولم يُدرك ما الذي كان يحدث لي. وحتى أنا نفسي لم أكن أُدرك هذا أيضاً، لأنِّي عندئذٍ لم أكن أُلاحظ كم كان سلوكي يتغير. فما كان منه إلا أن وصل إلى اعتقادٍ بأن لا شيء يُمكن أن يُغَيِّرني بهذه الطريقة إلا وجود رجلٍ آخر في حياتي. ولم تكن لديَّ طريقةٌ لكي أشرح له ما الذي كان يُغيِّرني لأنِّي لم أكن أعلم.
وحتى بعد أن أدركت بأنِّي أصبحت مسلمةًَ لم أستطع أن أثنيه عن شكّه، فكان يقول: "ما الذي يمكن أن يجعل المرأة تُغيِّر شيئاً أساسيّاً في حياتها –كدينها- إلا وجود رجلٍ آخر في حياتها!" على كلِّ حال، لقد كان يرى أنّ هذا هو السبب المنطقيَّ الوحيد لما كان يحدث. ومع أنَّه لم يستطع أبداً تقديم الدليل على وجود هذا الرجل الآخر، إلا أنَّه كان يُؤمن بوجوده. فانتهى بنا الأمر إلى طلاقٍ بشع. وقرَّرت المحكمة أن تكون المحكمة الشرعيَّة الأورثوذكسيِّة هي التي تُقرِّر بخصوص حضانة أطفالي.
أعطتني المحكمة الشرعيَّة مُهلةً من الزمن لكي أختار بين أمرين أحلاهما مُرّ, فإما أن أتخلّى عن الإسلام، وبذلك يتركوني مع أطفالي، وإمَّا أن أتنازل عن حضانة أطفالي وأبقى على إسلامي. كنت في حالة ذهولٍ شديدةٍ، فقد كان الاختيار صعباً، وبدا لي وكأنَّ كلا الخيارين مستحيل. وكنت على يقينٍ بأنِّي إذا تخلَّيت عن إسلامي فإنِّي سأُربِّي أطفالي على الضَّلال. ولم تكن هناك طريقة لأُنكر ما كان في قلبي، فكيف لي أن أُنكر الله تعالى؟! فلم أستطع عندئذٍ فعل ذلك. فالتجأت إلى الصلاة لله تعالى، ودعوته كما لم أدْعُهُ من قبل. وبعد مرور نصف ساعةٍ أصبحت على يقينٍ بأنَّه لا يوجد مكانٌ آمن فيه على أطفالي أكثر من أن يكونوا بين يدي الله تعالى. ولو أنكرته الآن فلن تكون هناك طريقة في المستقبل أُعلّم بها أطفالي روعة أن تكون مع الله تعالى. فأخبرت المحكمة بأنِّي أستودع الله تعالى أطفالي، ولاأعدُّ ذلك تخلّياً عنهم!
وغادرت المحكمة مُدركةً بأنّ حياتي بدون أطفالي ستكون في غاية الصعوبة. ومع أنّ قلبي كان مُنفطراً إلا أنَّه كان مطمئنّاً، فعرفت يقيناً بأنِّي فعلت الصَّواب. ووجدت عزائي في آية الكرسي: (اللهُ لا إلَهَ إلا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لا تأْخُذُهُ سِنَةٌ ولا نَوْمٌ لَهُ مَا في السَّمَاوَاتِ ومَا في الأرْضِ مَنْ ذا الذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إلا بإذنهِ يَعْلَم مَا بَيْنَ أيْديهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلا يُحيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إلا بِمَا شَاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضَ وَلا يَؤودُهُ حفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَليُّ الْعظِيمُ) (البقرة:255). ودفعتني هذه الآية أيضاً لأبدأ بالبحث في معاني أسماء الله تعالى الحسنى لأكتشف الجمال في كلٍّ منها.
ولم تكن حضانة أطفالي والطلاق هما الابتلاءين الوحيدين حينئذٍ، فبقيّة أفراد عائلتي لم يتقبَّلوا اعتناقي الإسلام، ورفض معظمهم أن يكون لهمُّ أيّ علاقةٍ بي. فكانت أمي تؤمن بأنّ الأمر لا يعدو كونه مرحلةً فقط أمرُّ بها وسوف تذهب في طريقها. أمَّا أختي -المتخصصة في علم النفس- فكانت على يقينٍ بأنِّي -وببساطةٍ شديدةٍ- فقدت عقلي ويجب أن أدخل المشفى للعلاج. وكان أبي يعتقد بأنِّي يجب أن أُقتل قبل أن أنغمس إلى أعماقٍ سحيقةٍ في جهنم. ففي وقتٍ قصيرٍ وجدت نفسي بلا زوج وبلا عائلة... فماذا سيكون بعد؟!
الأصدقاء
معظم أصدقائي تخلّوا عنِّي في السنة الأولى من إسلامي. فلم أَعُدْ في نظرهم مُسلِّيةً على الإطلاق. فأنا لا أرافقهم إلى الخمَّارات والحفلات، ولم أكن مهتمّةً بإيجاد صاحب لي؛ بل كان كلُّ ما أفعله هو قراءة ذلك الكتاب (القرآن) والحديث عن الإسلام... فما هذا الملل؟! ولم يكن لديَّ المعرفة الكافية لكي أساعدهم على فهم الإسلام ولأُبيّن لهم كم هو جميل.
الوظيفة
ثم كانت وظيفتي هي التالية في الذهاب. ففي حين كنت أفوز بكلّ جائزةٍ في مجال عملي، وكانوا يعترفون بخبرتي كمُبتكرةٍ لأساليب كسب المال، إلا أنَّ هذا لم يمنع من أن يكون أول يومٍ وضعت فيه حجابي هو آخر يومٍ في وظيفتي. فأصبحت حينئذٍ بلا عائلةٍ، أو أصدقاء، أو عمل.
المكافأة من الله تعالى على النجاح في الابتلاء
كانت جدَّتي هي شعاع النُّور الأوَّل بعد إسلامي، فلم تُثنِ على قراري فقط بل وانضمَّت إليّ مُعْتنقةً الإسلام مثلي... فيا للمفاجأة! أنا كنت أعرف دائماً أنّها تمتلك الكثير من الحكمة... ولكن إلى هذا الحد؟! وتُوفِّيت بعد اعتناقها الإسلام بساعاتٍ قليلة، رحمها الله تعالى. وعندما أتوقّف لأتأمَّل في ذلك أشعر بأنِّي أغبطها كثيراً. ففي اليوم الذي أعلنت فيه إسلامها، ومُحيَتْ فيه كلُّ آثامها وبُدِّلتْ حسنات، يتوفاها الله تعالى لتكون كفّة حسناتها في الميزان ثقيلةً جدّاً، مما يملأني بسعادةٍ غامرة.
ومع مرور الوقت وازدياد معرفتي بالإسلام كنت أكثر استعداداً للإجابة على أيّ تساؤلات، فتغيَّرت أمورٌ كثيرةٌ في حياتي، ولكنَّ الأثر الأعظم كان للتغييرات التي حصلت في شخصيِّتي.
وبعد بضع سنوات من إعلاني الإسلام، هاتَفَتْني أمي وقالت بأنّها لا تعرف ما هو هذا (الشيء) الذي يُسمَّى (الإسلام)، ولكنّها تأمل في أن أبقى مؤمنةً به، فقد كان يُعجبها ما كان يصنعه الإسلام في حياتي. ثم اتَّصلت بي بعد ذلك بعامين وسألتني: "ماذا يجب على الإنسان أن يفعل ليصبح مسلماً؟" فقلت لها بأنّ كلّ ما عليها أن تفعله هو "شهادة أن لا إله إلا الله وأنّ محمداً رسول الله". فقالت: "إنّ كلّ أحمقٍ يعرف هذا! ولكن ما هي الإجراءات التي يجب عليَّ القيام بها؟!" فأعدت عليها ما قلت، فقالت: "حسناً، ولكن لا تُخبري أباك الآن". ولكنها لم تكن تعلم بأنّ أبي كان قد سبقها بالحديث مع عن هذا الموضوع. فوالدي -الذي كان يظنُّ بأنَّه من الواجب قتلي قبل أن أتعمَّق في جهنم- كان قد دخل الإسلام قبل ذلك بشهرين. ومن ثم أخبرتني أختي -الخبيرة في الصِّحة النفسيّة- بأنِّي الشخصيَّة الأكثر تحرُّراً من بين من تعرفهم... وإنه لإطراء عظيمٌ حين يصدر ممن هم مثلها!
وبدل أن أُحدثكم بتفاصيل دخول كلٍّ منهم الإسلام، دعوني أخبركم ببساطة بأنِّ معظم أفراد عائلتي يواصلون دخول الإسلام كل سنة. وقد كنت في غاية السعادة حين أخبرني أخٌ عزيزٌ من المركز الإسلاميِّ بأنَّ زوجي السابق دخل الإسلام. وقال لي بأنَّه سأله لماذا يريد اعتناق الإسلام؟ فأجاب: "ذلك لأنّي -ولستَّة عشر عاماً- كنت أُراقب حياة زوجتي كمسلمة، وأنا الآن أريد أن تكون ابنتي مثلها". ثم زارني بعد ذلك وطلب مني أن أُسامحه على كلِّ ما فعله لي. ولكنِّي كنت قد سامحته منذ وقتٍ طويل.
وفي الوقت الذي كنت أكتب فيه هذه السطور، هاتفني ابني البكر –ويتني- ليقول لي بأنَّه سيدخل في الإسلام، وقد خطّط لإعلان إسلامه في المركز الإسلاميّ بعد أسبوعين، وهو الآن يقرأ عن الإسلام قدر ما يستطيع من أجل ذلك... إنّ الله هو الرحمن الرحيم.
بمرور السنين، اشتهرت بحديثي عن الإسلام. والكثير من الذين حضروا للاستماع إليّ دخلوا الإسلام والحمد لله. وازدادت سكينتي الداخليَّة مع ازدياد معرفتي وثقتي بحكمة الله سبحانه وتعالى. فقد عرفت بأنّ الله تعالى ليس فقط خالقي، بل هو أيضاً أعزّ (أصدقائي)، ولذلك فأنا على يقينٍ بأنَّه تعالى سيكون دائماً إلى جانبي، وأنَّه لن يتخلّى عني أبداً. فكلّ خطوةٍ أخطوها تجاهه سبحانه وتعالى يخطو مقابلها تجاهي عشراً؛ وكم هو جميلٌ أن ندرك هذا.
حقيقة أنّ الله تعالى اختبرني -كما وعد بأن يختبر المؤمنين- ولكنّه أنعم عليّ أكثر مما كان بإمكاني أن آمل. فقبل بضع سنوات أخبرني الأطباء بأنّ لديَّ سرطاناً مُنتشراً. وأوضحوا لي بأنَّه لا يمكن علاجه حيث كان قد تطوَّر لدرجةٍ كبيرة، وعملوا على تهيئتي للموت بإيضاحهم لي مراحل تطوُّر المرض، وأخبروني أنَّه ربما بقي لي سنةً من العمر. كنت قلقةً من أجل أطفالي -وخاصة الأصغر عمراً – فمن ذا الذي سيعتني بهم؟ ومع هذا فلم أقنط من رحمة الله تعالى، وفي النهاية فكلُّنا صائرٌ إلى الموت. وكنت مُتيقِّنةً في قلبي بأنّ الألم الذي كنت أُعانيه يحوي الكثير من البركة.
وأذكر وفاة أحد الأصدقاء -وهو كريم الميساوي الذي مات بالسرطان حين كان في العشرينات من عمره- وفي سكرات الموت الأخيرة كان يبدو عليه الحزن والألم بطريقةٍ لا تُصدَّق، ولكنَّه كان يُشعُّ بحبِّ الله تعالى، وقال لي: "إنّ الله تعالى حقّاً رحيم؛ فهو سبحانه وتعالى يريد لي أن أدخل الجنَّة بكتابٍ نظيف". فعلّمني بموته حبّ الله تعالى لعباده ورأفته بهم، وأعطاني بذلك شيئاً للتأمُّل، فهذا يُعتبر من الأمور التي يَندُر أن يناقشها الناس!
ولم أنتظر طويلاً لأرى النِّعم التي كانت تحلُّ عليَّ من الله تعالى. فالأصدقاء الذين يحبونني كانوا يظهرون من حيث لا أدري. ثمّ أنعم الله تعالى عليَّ بتأدية فريضة الحج. وتعلّمت مدى أهميّة أن نشارك الآخرين حقيقة الإسلام. ولم أكن أهتمُّ إذا كان الناس الذين أتحدَّث إليهم من المسلمين أو من غيرهم، أو إذا كانوا يتفقون معي أم يختلفون، أو إذا كانوا يحبونني أم يكرهونني؛ فقد كانت الموافقة التي أنشُدُها هي موافقة الله تعالى، وكان الحبُّ الوحيد الذي أحتاجه هو حبُّ الله تعالى. ولكنِّي مع هذا اكتشفت بأنّ الناس كانوا يحبونني أكثر وأكثر دون سببٍ واضح. فتذكرت ما قرأته بأنّ الله تعالى إذا أحبَّ عبداً فإنَّه يُلقي له القَبول في الأرض. فأنا لا أستحق كلّ هذا الحب، ولكن لا بدَّ وأنّ هذه نعمةٌ أخرى من نِعَمِ الله تعالى... الله أكبر!
لا توجد الكلمات التي تستطيع أن تُعبِّر عن مدى تغيُّر حياتي بالإسلام، فأنا سعيدةٌ جدّاً بكوني مسلمة. فالإسلام هو حياتي. والإسلام هو نبض قلبي. والإسلام هو الدَّم الذي يجري في عروقي. والإسلام هو قوّتي. والإسلام هو الذي جعل حياتي في غاية الرَّوعة والجمال. فأنا بدون الإسلام لا أساوي شيئاً، فلو حصل -لا قدَّر الله- وتخلّى الله عني لما استطعت البقاء.
"اللهُمَّ اجْعَلْ في قَلْبِي نُوراً وَفيِ بَصَرِي نُوراً وَفي سَمْعي نُوراً وَعَنْ يَميِنِي نُوراً وَعَنْ يَسَارِي نُوراً وَفَوْقِي نوراً وَتَحْتِي نُوراً وَأمَامي نُوراً وَخَلْفي نُوراً وَاجْعَلْ لي نُوراً". (صحيح البخاري).
"رَبِّ اغْفِر لي خَطيئتَي وَجَهْلي وَإسْرَافي في أمْري كُلّه، وَمَا أنْتَ أعْلَمُ بِهِ مِنِّي. اللهُمَّ اغفر لي خَطَايَايَ وَعَمْدي وَجَهْلي وَهَزْلِي، وَكُلُّ ذَلِكَ عِنْدِي. اللهُمَّ اغْفْر لي مَا قَدَّمْتُ وَمَا أخَّرْتُ وَمَا أسْرَرْتُ وَمَا أَعْلَنْتُ. أنتَ المُقَدِّمُ وَأنْتَ المُؤَخِّرُ وَأَنْتَ علَى كُلّ شَيءٍ قديِر". (صحيح البخاري).
أختكم في الله
أمينة أسيلمي

samedi 3 décembre 2011

ذكرى ميلاد نجوى


ذكرى ميلاد نجوى
ليلة الامس لم تكن كسابقاتها من الأمسيات، مع أنّ واجبه اليومي المقدسّ تجاه طفليه لم تتغير أو تتبدل أجندته إلآ أنني لاحظت بعض قسمات الحزن التي ظللت وجهه المبتسم لأطفاله، شرد قليلاً ثم أردف قائلاً وعيناه تسبران أغوار عالم لم نراه
- هل تعلمون ماذا يصادف يوم الغد؟
وبعد قليل من الوقت ....
- لم نهتدى للجواب ...
- انه يوم مولد نجوى ... وردتي الصغيرة تلك التي فارقتنا وهي تتوسد التراب وحيدة ... ذاك الجسد الغضّ الذي يلتحف السماء غريباً في وحدته يناديني في سكون الليل ... بابا ... بابا ... تلك كلماتها الأخيرة قبل ان تغمض للموت عينيها ... وكأن في لحظاتها الاخيرة تحتمي بي ... تجعل من بابا .. بابا .. رفيق درب لها بين تلك القبور الموحشة ...
تعطلت الكلمات بين شفاهنا وتركناه يسترسل ... فيما الدموع تترقرق من العيون
- لفراق الحبيبة ارتدى كلّ ما لمست يداها وشاح السواد ... هل تصدقون؟
- مـــــــــــــاذا؟
- حتى تلك الورود المزروعة في أصيصها والتي كانت تعتني بهم، أبينَ تكملة الحياة بعدها ... كم سقيتهم ماءاً ودموعاً ... لكن هيهات ... رجوتها اكراماً لنجواي ان تستردّ عافيتها لكن الوريدات رفضن الاّ اللحاق بها ... سبحان الله حتى النبات يحزن لحد الذبول لفراق أحبته فكيف بالامر ونجواي كالملاك لم يُدنسّ بعد بتشوهات الانسان ... لازالت على فطرتها.. براءتها .. سجيتها وطهارتها ... للورود كلّ الحق في إعلان حدادها الأبدي عليها ... فقد تعودت الإرتواء من يديّ نجواي الطاهرتين وما عدى ذلك هو إرتواء قاتل لها ... الآن فهمت سرّ موت وردات نجوى رغم محاولاتنا المستمرة لإحيائها وكأنها من ريح وطيب نجوى أم ترى الوردات تستمدّ طيبها من نجوى وبموتها إنقطع اكسير الحياة عنها فأبتّ إلا اللحاق بها ...
دائماً أتسائل بيني وبين نفسي ... ما السرّ بين تلك الورود وبين نجواي؟ لِما كنتُ أراها متفتحة، مبتسمة، تفوح رائحتها في كلّ أرجاء البيت كلما سقتها نجوى حتى بقطراتٍ قليلة من الماء وكثير من الضحكات  والحنان ومع رحيل نجواي وكعهد مني على حفظ كلّ ما لمست يداها إهتممت بالورود وتعهدت برعايتها لكنني كنتُ في  كل يوم أراها تنكمش وتذبل  حزينة حتى فارقت الحياة ...
ليس الورود فحسب بل كلّ أثر عليه لمسة يد منها أصرَّ على اللحاق بها بعد موتها ...
سبحان الله أيعقل النبات والحيوان هذا أيشعر بغياب حبيب لهما فيتأسيا بذلك ليلحقا به.
اذا كان هذا حالهما فكيف أصفُ فجيعتي أنا ... من كانت تأتيه كلّ صباح لتوقظه من نومه على صدى ضحكاتها ... بابا ... بابا ... وأتمثلّ لها النوم .. لترفع عني الغطاء وتشدو في أذني: بابا ... يا الله حبيبي قم ... تعال انظر لورداتي بابا ...
غداً يكون عيد ميلادها ... هو من الأيام التي تسكنني وتظل كناقوس يدق ويخلخل بي كياني ... وينادي نجواي ... نجواي ...
هل تُراك تقرئين ما كتبتهُ علي قبركِ ... وأخذ ينشد الابيات التي وسمها المشهد
وماذا يفيد هذا الدار ساكنه إذا الأحباب غابوا اليوم وارتحلوا
لم ارى أباً يحفظ عهود أطفاله مثله بإعتبار أن القول المأثور لدينا: أن كلّ الناس تنسى فقدان الضنى إلا الأم ... لكني والحق يقال وجدت أن هذه المقولة مغلوطة وناقصة .. فكلّ الناس تنسى الاّ الأب الرائع يظل يحمل ذكراهم في حلّه وترحاله ... في صمته وسكونه ... في وحدته ... تعشش داخل كيانه ... فمثلما يحتفي بالاحياء من أبنائه يُجدد ذكرى نجواه حتى بدت لنا ماثلة امامنا حية تُرزق بكل الاوصاف التي وصفها ...
... ما اروع وفــــــــــــــــــــاء الابـــــــــــاء

vendredi 2 décembre 2011

غني يا وحيد

غنّي يا وحيد

هذه شيفرة خاصة بإبنتنا مجد تقولها عندما تطلب من والدها ان يغنّي لها، "وحيد" هذا إسم للفنان الراحل المطرب فريد الاطرش في أحد أفلامه.


في الأمسيات وبعد تناول طعام العشاء في جلساتنا العائلية الحميمية التي يغمرها الدفىء رغم قساوة برد الشتاء خارجا، تقف مجد كالمذيع المحترف تطلب من ضيفها الغناء ..

- غنّي يا وحيد
- من أنا؟
- يالله بابا غني لنا حبيبي
- تكرم عيونك ست مجد .... طيب ماذا يطلب المستمعون؟
- يعني أنت فنان كبير .. وذوقك في الأغاني رفيع .. غنّي لنا ما تشاء ...
- أمرك يا ست الحسن والدلال ...


وبين مقطع لفريد وآخر لعبد الوهاب وبينهما لكوكب الشرق أم كلثوم يتجول بنا "وحيد" في بستان يحفل بالفنّ الاصيل وبين مراوحة واخرى تصفق له جماهير بيته للتشجيع ودفعه للإستزادة من الطرب، حتى إبننا الصغير مصطفى ذو العام ونيف له من السهرة نصيب ...
- بابا بابا ....
- عيون بابا ... شو حبيبي ...
- مصطفى مصطفى بابا ..
- تفضل يا ابوصطيف ...
-
مصطفى آ مصطفى ... بحبك آ مصطفى ... عصافير


وهو يشبك أصابعه الصغيرة ببعضهما ويطالع والده ينتظر منه مشاركته بالأغنية أو التصفيق له وبصوت طفولي ملائكي يشدو لنا بوصطيف مقطع من اغنية تتغني بإسمه وهي على ما أعتقد للفنانة الراحلة داليدا ... وتقول بها " يا مصطفى يا مصطفى أنا بحبك يا مصطفى شغلتني بالعصافير ...."

إنه تقليد شبه يومي يُطعّم جوَ المنزل مساءاً وتعبق في أجواء أمسياته الحميمية البسمات والضحكات التي يتحول فيها الأب الى طفل كبير، فيساير صغاره ويهذب أسماعهم بين اللعب والضحك، لكن ما أن يأتي وقت النوم حتى يبدأ الوالد بتسميع آيات الذكر الحكيم لمجد التي أصبحت والحمد لله قادرة على حفظ العديد من سور القرآن الكريم من جزء عمَّ.

وهذا التقليد هو سلوك مقدسّ لديه حتى لو جاء مرهقاً أو مريضاً من عمله ... فالفرحة التي تشع من عيون أطفاله ومشاعر الحبّ والطمأنينة التي تغمر محياهما تجعله ينسى ما به ... كما أنه لا يغني إلآ لأطفاله ... فيكفيه اشارة: "غنّي يا وحيد" حتى ينساب من فمه النغم والكلمات لهم ومعهم وبهم في عالم طفولي يطفح بالبراءة والشفافية بعيداً عن عالم تتكلس به الاقنعة والزيف ...

فما أسعدهم به وما أسعده بهم ........ روحوا القلوب ساعة بعد ساعة، فإن القلب إذا أكره عمى (حديث نبوي شريف)

jeudi 1 décembre 2011

الموريسكيون: بين حق الاعتذار، وحق العودة

الموريسكيون: بين حق الاعتذار، وحق العودة


لوحة زيتية قديمة تصور وصول المورسكيين إلى ميناء وهران

أ.د. ناصر احمد سنه/ كاتب وأكاديمي من مصر
الدول والأمم شأنها شأن الأفراد والمجتمعات.. الاعتذار واجب علي المُخطئ، وحقٌ "معنوي" مكفول لصاحبه، فضلا عن حقوقه "العينية / المادية" التي لا تسقط يالتقادم. إن "ثقافة الاعتذار" التزام جاد لتقويم سلبيات وأخطاء، وهي "سلوك حضاري"، يتطلب جرأة أدبية، تغالب مقولة:"الاعتذار انكسار" ، ورغبة صادقة في "التصالح" مع ما كان، وتحسين "التواصل/ التعايش" فيما هو آت. أما قبوله فدليل وعي ونضج فكري، وتسامح )من دون لوم أو تقريع أو توبيخ) يزيد من أواصر التقارب والتفاهم بين الدول والمجتمعات والأفراد. قد يعتبر البعض أن اعتـذار الشعوب والدول ما هو إلا تخطيطاً مُحكماَ يستهدف التقليل من ردات فعل الـرأي العام، العالمي والمحلي، والظهور بمظهر "الآثـم النـادم"..تهرباً من استحقاقات أكبر. إن ملابسات الاعتذار، وتبعاته إنما تعكس ثقافـة الشعوب وقادة الدول والأمم المعتذرة.
يعتبر الاعتذار في اليابان– بما فيه اعتذار الرؤساء لمرؤوسيهم- أمراً عادياً، وجزء من سلوك الناس اليومي. وقد اعتذرت اليابان للدول التي احتلتها في جنوب شرق آسيا، واعتذرت عن ممارساتها تجاه أسرى الحرب البريطانيين. كما اعتذرت ألمانيا وفرنسا سويسرا عما كان من جرائم النازي. وحاكم المثقفون الفرنسيون دولتهم على ماضيها الأسود في الجزائر وتقدموا بالاعتذار، واعتذرت الولايات المتحدة أيضا لأفريقيا عن قرون من تجارة العبيد. وها قد جاء دور أسبانيا مع "الموريسكيين".
بعيدا عن الشجن / التحسر الذي يُستحضر كلما ذكرت "الأندلس" وفقدانها.. تأتي هذه السطور ـ كاستقراء تاريخي موضوعي أسعف في تجليته الحقيقية بعض المستشرقين الأسبان، والاختصاصيين المُنصفين، تتذرع بالفطنة لا "الفتنة" التاريخية ـ لنفي كبير لبقايا شعب عمرّ القارة الأوربية ـ لنحو ثمانية قرون ـ بالفكر والفن والأدب والفلسفة.
"الموريسكيون" أو "الموريسكوس" بالقشتالية هم الأسبان المسلمون وأحفادهم (المُدجنين) ممن ظلوا بإسبانيا بعد سقوط مملكة غرناطة 1492م، وتعرضوا للتنصير القسري؛ بمقتضى مرسوم ملكي مؤرّخ في 14 فيفري،1502 ، 6شعبان 907 هـ. (راجع د. صلاح فضل: ملحمة المغازي الموريسكية: دراسة في الأدب الشعبي المُقارن، مؤسسة مختار للنشر بالقاهرة، 1992، ص:12-13).
الموريسكيون.. و"رد الاعتبار":
بعد قرون على طردهم من الأندلس، تحرك البرلمان الإسباني مؤخرا لكي يعيد فتح أبرز صفحات تاريخ إسبانيا قتامة، ليخفف من وطأته التي تطارد الذاكرة الإسبانية إلي اليوم. وضع الحزب الاشتراكي أمام لجنة الخارجية في البرلمان الأسباني مشروع قانون ينص على "رد الاعتبار لأحفاد الموريسكيين الذين طُردوا بشكل جماعي" في أبشع المشاهد التي يندى لها جبين الإنسانية، لما تخلل ذلك الطرد من أعمال القتل والتنكيل والاغتصاب والإغراق في مياه البحر، التي ذهب ضحيتها عشرات المئات منهم.
لقد كان طرح مثل هذه المشاريع بقوانين ـ حتى وقت قريب ـ أحد "محظورات" السياسة الإسبانية. لكن الآن يعد تعبيرا عن قدرة الأسبان على فتح دهاليز ماضيهم المتنوع (نحو الهنود الحمر في الأمريكيتين، ومسلمي الأندلس، والحرب الأهلية الخ) والتخلص من العقد تجاههم. لقد جاء المشروع في سياق سلسلة من المبادرات التي أقدمت عليها الحكومة، التي يقودها الحزب الاشتراكي نفسه صاحب المشروع، ومن بينها "قانون الذاكرة" الذي أعاد فتح ملف الحرب الأهلية الإسبانية في ثلاثينيات القرن الماضي، وكذا القانون المتعلق بالرموز السياسية التي ترجع إلى مرحلة الجنرال فرانسيسكو فرانكو، والذي تم بموجبه إلغاء العديد من تماثيل الجنرال السابق في ساحات بعض المدن الإسبانية.
ينص مشروع القانون المشار إليه على:" رد الاعتبار لأحفاد الموريسكيين، الموجودين في المغرب بخاصة (أكثر من 4 ملايين بالمغرب من أصل 35 مليونا حسب إحصاء 2007، موزعين على عدد من مدن الشمال المغربي)، وفي بعض البلدان المغاربية (تونس والجزائر)، وهناك البعض الآخر في بلدان المشرق. ويوصي بتقوية العلاقات الثقافية والاجتماعية والاقتصادية مع الموريسكيين المغاربة، لكنه لا يذهب إلى حد مطالبة الدولة بالاعتذار الرسمي عن تلك الجريمة، أو تعويض أحفاد المطرودين اليوم مقابل ممتلكات أجدادهم التي سلبت منهم، أو تمكينهم من الحصول على الجنسية الإسبانية". ويرى بعض المسئولين عن المنظمات الحقوقية والمدنية الإسلامية في إسبانيا أن المشروع، وإن كان يساويهم باليهود السفارديم (الشرقيين) الذين طردوا من الأندلس قبل خمسة قرون بعد صدور قانون بهذا الشأن عام 1992، إلا أنه "لا يشير إلى ضرورة اعتذار إسبانيا للمسلمين مثلما اعتذرت لليهود الأسبان قبل 17 عاما". لكنهم يأملون أن يكون هذا المشروع خطوة أولى في الطريق الصحيح، كونه: "أعترف بأن الإسلام شكل جزءا من الهوية الإسبانية".

بنْتُم وَبِنّا، فَما ابتَلّتْ جَوَانِحُنَا شَوْقاً إلَيكُمْ، وَلا جَفّتْ مآقِينَا.
نَكادُ، حِينَ تُنَاجِيكُمْ ضَمائرُنا، يَقضي علَينا الأسَى لَوْلا تأسّينَا.
لا تَحْسَبُوا نَأيَكُمْ عَنّا يغيّرُنا؛ أنْ طالَما غَيّرَ النّأيُ المُحِبّينَا!.
وَاللهِ مَا طَلَبَتْ أهْواؤنَا بَدَلاً مِنْكُمْ، وَلا انصرَفتْ عنكمْ أمانينَا. (ابن زيدون).

جاءت هذه الخطوة أيضا في سياق التحركات التي يقوم بها أحفاد الموريسكيين في المغرب وخارجه، للتذكير بالتزامات إسبانيا الحديثة تجاههم. فقد عقد الموريسكيون المغاربة في عام 2002 أول مؤتمر من نوعه حول هذا الموضوع بمدينة شفشاون، طالبوا فيه إسبانيا بالاعتذار لهم، كما دعوا إلى الاهتمام بأوضاعهم التي رأوا أنها تشكل جزءا من تاريخ إسبانيا. وهاهي رئيسة المجلس الإقليمي لغرناطة: تعتذر لأحفاد الموريسكيين الأندلسيين، وتدعو لتأسيس معهد ملكي للدراسات الموريسكية بشفشاون معقل هجرات المورسكيين.
كما يأتي بعد أن بات العديد من المؤرخين المختصين، من الأسبان وغيرهم، يدرسون ـ بموضوعية تاريخيةـ تلك المرحلة بالنقد والتحليل سعياً لمحو "الصورة السلبية" التي علقت بالذهنية الجماعية للأسبان عن الموريسكيين. كما يعتبرون أن هؤلاء المسلمين الأسبان الذين طردوا قبل 400 عاما لم يكونوا غرباء عن البلاد، بل كانوا أسبانا اعتنقوا الإسلام، بل إن شريحة واسعة منهم لم تكن تعرف حتى اللغة العربية، وذلك ردا على دعاوي :"إن الموريسكيين هم عرب ومسلمون جاؤوا مستعمرين لإسبانيا من خارجها وتم إرجاعهم من حيث أتوا بطردهم" .
صورة لواجهة قصر الحمراء في الأندلس (إسبانيا)

رحلة "الهجرة، والتهجير":
قبيل سقوط دولة الإسلام في الأندلس كانت الهجرة إلى بلد مسلم تعد في كثير من الأحوال هي الحل الأنسب، فقد رأى نبلاء غرناطة أن الأمور في بلدهم تسير من سيئ إلى أسوأ. وأن دولة الإسلام منهارة لا محالة. بدأ الناس في الهجرة ، وكانت لتلك الهجرة نتائج ملموسة، سواء على الذين هاجروا، أو على بعض البلاد التي هاجروا إليها. رحل الأندلسيون إلى تركيا ومصر وشمال إفريقيا وأوربا، بل وأمريكا التي كانت قد تم اكتشافها منذ قليل.
لم تكن هجرة الأندلسيين ذات أثر بارز فى بلد كمصر، فالمهاجرون قد استقروا فيها وصاهروا أهلها، وبعد فترة قصيرة لم يعد من الممكن التمييز بين المصري والأندلسي (عبد الرحيم عبد الرحمن: الأندلسيون في مصر، من واقع ملفات المحاكم الشرعية، مؤسسة التميمى للبحث العلمي، بزغوان، تونس). كذلك كان الوضع في بلد كتركيا.
لكن في شمال إفريقيا كان الوضع متميزا، فقد أقام المهاجرون في قرى ومدن خاصة بهم، شيدوها على غرار مدنهم التي هاجروا/ طردوا منها. كما ظلوا يتحدثون الإسبانية فيما بينهم، ولم يندمجوا في المجتمعات المغربية إلا بعد زمن طويل.كان لهجرة الأندلسيين نتائج ملموسة على المغرب العربي ، فقد نقل الأندلسيون إلى شمال إفريقيا ثقافتهم الخاصة بهم.
كانت إعادة تأسيس مدينة "تطوان" بطابعها الغرناطي الخالص على يد "المنظرى"، وهو نبيل غرناطى، هي أولى ثمار الهجرة الأندلسية إلى المغرب. ولما وصل الغرناطيون إلى شمال إفريقيا أعادوا هيكلة العمل البحري الذي تحول فى بعض الأحيان إلى وسيلة لكسب العيش. إن اشتغالهم، البرى والبحري، قد جعل من "تطوان" قبلة للمسلمين المضطهدين في أوربا.
كانت هجرة نبلاء غرناطة المسلمين إلى شمال إفريقيا سببا في وضع حد للتوسع البرتغالي على حساب بلاد المغرب العربي، وقد استطاع المغاربة –بمعاونة الغرناطيين المنفيين- تحقيق ما لم يستطيعوا تحقيقه بمفردهم. فالنصر على البرتغال فى معركة القصر الكبير عام 1578 إنما ترجع أسبابه الرئيسة إلى معاونة الأندلسيين. إن الأندلسيين –بالإضافة إلى تقديم المحاربين الشجعان للجيوش المغربية- كان من بينهم الوزراء ذوى الرأي، والصناع المهرة والجنود والتجار، هذا إلى جانب المسائل الفقهية التي أثارها الوافدون الجدد إلى المغرب، وقيامهم بترجمة العلوم الدينية. كل ذلك أسهم في أن يلمع بريق الأندلس في الشمال المغربي. لكن أن الصراعات الأهلية بين الغرناطيين أدت إلى ضياع نفوذهم في الشمال المغربي، كما أدت في السابق إلى ضياع دولتهم في إسبانيا بسقوط غرناطة الإسلامية.
تاريخ الموريسكيين: شريط أحداث
- في يوم الجمعة 23 من محرم سنة 897 هـ الموافق لـ 25 من نوفمبر سنة 1491 قام أبو عبد الله أخر ملوك بني نصر بإمضاء اتفاقية يتنازل فيها عن عرش مملكة غرناطة وعن جميع حقوقه فيها غير أنّه حاول انتزاع بعض الامتيازات لرعاياه ولمسلمي ما كان يعرف بالأندلس. ومن بين ما جاء في هذه الاتفاقية:
"أنّ للمُرُشْ أن يحتفظوا بدينهم وممتلكاتهم. أن يخضع المُرش لمحاكمة قضاتهم حسب أحكام قانونهم وليس عليهم ارتداء علامات تشير لكونهم مُرش كما هو حال عباءة اليهود. ليس عليهم دفع ضرائب للملكين المسيحيين تزيد على ما كانوا يدفعونه. لهم أن يحتفظوا بجميع أسلحتهم ماعدا ذخائر البارود. يحترم كل مسيحي يصبح مر ولا يعامل كمرتد. أن الملكين لن يعينا عاملا إلى من كان يحترم المرش ويعاملهم بحب إن أخلّ في شيء فإنه يغير على الفور ويعاقب. للمرش حق التصرف في تربيتهم وتربية أبنائهم"(راجع د. صلاح فضل: ملحمة المغازي الموريسكية: دراسة في الأدب الشعبي المُقارن، مؤسسة مختار للنشر بالقاهرة، 1992، ص:23). لكن ما إن استلم ملكي الكاثوليك غرناطة حتى شرعا في تنصير أهلها، وعهدوا هِداية (المُدَجّنين) إلى العقيدة المسيحية إلى القس هيرناندو دي تالابيرا أول أساقفة غرناطة. وانصبّ هذا الأخير على هذه المهمة فتعلم العربية. لكن بعد مضي عدد من السنوات قام ملوك الكاثوليك باستصدار مرسوم يجبر المسلمين واليهود على إمّا التنصّر أو الرّحيل قسراً، وتم إنشاء محاكم التفتيش بعد ذلك.

مخطوطة مكتوبة بالالخميادو.. لغة المورسكيين، حروف عربية، ولغة أعجمية.

1492- يناير/ كانون الثاني: السلطان أبو عبد الله الصغير يسلم مفاتيح غرناطة واضعا بذلك نهاية للحكم الإسلامي في الأندلس الذي دام سبعمائة وإحدى وثمانين سنة.
- 30- مارس/ آذار : الملكان الكاثوليكيان يوقعان على قرار طرد كل اليهود من إسبانيا.
1499 - إقامة فرع لمحاكم التفتيش في غرناطة.
- الكاردينال فرانثيسكو خيمينيس دي ثيسنيروس يأمر بإغلاق المساجد.
- الشروع في التنصير الجماعي للمسلمين.
18- ديسمبر/ كانون الأول: اندلاع انتفاضة في حي البيازين في غرناطة احتجاجا على حملة التنصير.
1500 - يناير/ كانون الثاني: الانتفاضة تمتد إلى جبال البشرات بقيادة إبراهيم ابن أمية، لتستمر ثلاثة أشهر.
- في أواخر هذه السنة ستندلع انتفاضة أخرى حول بلدة بلفيق ووادي المنصورة بمنطقة ألمرية.
1501 - يناير/ كانون الثاني: إخماد انتفاضة بلفيق؛ واندلاع بؤرة أخرى في مرتفعات رندة.
- مايو/ أيار: إخماد انتفاضة رندة بعد تدخل الملك فرناندو على إثر مقتل أحد قياد جيشه الدون ألونسو دي أغيلار.
- بمشورة من الكاردينال ثيسنيروس، الملكة إيسابيل تأمر المسلمين باعتناق المسيحية أو مغادرة البلاد. لكنها ستفرض على الراغبين في الرحيل إتاوات وغرامات فادحة، وستطلب منهم التخلي عن أطفالهم الصغار؛ مما سيؤدي بالكثير إلى الدخول في الدين المسيحي,
- 12 أكتوبر / تشرين الأول: عدد هائل من الكتب العربية يتعرض للحرق في غرناطة بأمر ملكي؛
بتنصيرهم أصبح الموريسكيون خاضعين لمحاكم التفتيش
1502 - بدعم من الكنيسة الكاثوليكية في إسبانيا، الملكان إيسابيل وفرناندو يحظران رسميا ممارسة شعائر الدين الإسلامي في مجموع ممالك وأقاليم إسبانيا.
1503 - النبلاء في مملكة أراغون يطالبون بحماية مواليهم من المسلمين ("المدجنين" أو الموديخار).
1504- نوفمبر/ تشرين الثاني،20، وفاة الملكة إيسابيل.
1505 - إسبانيا تستولي على بلدة مرس الكبير على ساحل البحر شمالي الجزائر؛
1509 -ثيسنيروس يشارك في الحملة التي انتهت باحتلال وهران، لكنه يبتعد عن الميدان السياسي بعد خلاف دب بينه وبين الملك فرناندو أراغون.
1510 - بداية حملة حظر العادات الإسلامية.
1516 - وفاة فرناندو ملك أراغون.
- حفيده شارل دوق برغندي (كارلوس الأول أو الإمبراطور شارل الخامس فيما بعد) يستلم الحكم إلى جانب والدته المعروفة بخوانا الحمقاء؛
1517 - العثمانيون يستولون على مصر؛
1520-1521- المتمردون المنضوون تحت لواء طائفة تدعى "خرمانياس" يبدأون حملة تنصير قسرية للمسلمين في مملكة بلنسية التابعة للتاج الإسباني.
1525 - السلطات الدينية ترى أن اعتناق المسيحية قسرا لا يبطله.
1526 - شارل الخامس يأمر بتطبيق قرار "التنصر أو الهجرة" على مسلمي جميع ممالك إسبانيا.
- حظر جميع عادات الموريسكيين؛
- اندلاع حركات تمرد في بني الوزير وفي جبال اشبدان وفي لامويلا دي كورطس غربي وسط المملكة.
1556 - فيليبي الثاني يخلف والده المتنحي عن عرش إسبانيا.
1566 - مرسوم ملكي جديد لمكافحة العادات "الموريسكية".
1568 - 24 ديسمبر/ كانون الأول اندلاع ما سيُعرف بحرب غرناطة.
1570 - يونيو/ حزيران: نهاية الحرب وإجلاء حوالي 100 ألف من موريسكيي غرناطة إلى داخل إسبانيا؛
حرب غرناطة الأهلية 1568-1570 كانت الفصل ما قبل الأخير في مأساة الموريسكيين.
1580- اكتشاف" ضلوع موريسكيين بإشبيلية في محاولة إنزال متطوعين من شمال إفريقيا عند مصب الوادي الكبير.
1582 - الكشف عن ضلوع موريسكيين في "مؤامرة" أخرى للحصول على دعم الجزائر.
1598 - فيليبي الثالث يعتلي العرش الإسباني بعد وفاة والده؛
1609 - أبريل/ نيسان انعقاد مجلسي الدولة والحرب حيث سيتقرر طرد الموريسكيين من كل إسبانيا.
- أبريل/ نيسان الملك يوقع على قرار الطرد؛ التوقيع على هدنة مع ثوار الأقاليم المتحدة (فلاندريا أو هولندا) البروتستانت بعد صراع مع القوات الإسبانية المحتلة دام بضعة عقود.
22- سبتمبر/ أيلول: إعلان النداء الملكي في بلنسية.
2- أكتوبر/ تشرين الأول: إبحار أول دفعة من الموريسكيين إلى وهران.
- 20 أكتوبر/ تشرين الأول: اندلاع انتفاضة بمنطقة لامويلا دي كورطس وسط غربي مملكة بلنسية.
- 23 أكتوبر/ تشرين الأول: اندلاع انتفاضة أخرى في منطقة الأغوار جنوب شرقي المملكة.
- 25 نوفمبر/ تشرين الثاني قمع الانتفاضتين.
- 10 ديسمبر/ كانون الأول: صدور مرسوم طرد موريسكيي مرسية.
- 12 ديسمبر/ كانون الأول: نهاية عمليات تهجير موريسكيي بلنسية رسميا.
1614-1610-تهجير موريسكيي باقي ممالك وأقاليم إسبانيا.
1614- فبراير/ شباط السلطات تعلن انتهاء عملية التهجير بعد طرد موريسكيي وادي رقوته بلامانتشا.
الموريسكيون: كتابات ودراسات، وندوات
كثيرة هي المراكز والدراسات والأعمال والندوات التي تناولت شان المورسكيين، وروائع الحضارة الأندلسية الباهرة منها: كتابات ميغيل دي سرفانتس، مثل دون كيشوت، و"الموريسكيون: حياة.. ومأساة إقليمية، (تاريخ مسلمي الأندلس) تأليف: أنطونيو دومينقير هورتز، برنارد بنثنت ترجمة، تحقيق: عبد العال طه - محمد الأصفر: المكتب الإسلامي للطباعة والنشر 2002، ورحلة أفوقاي الأندلسي، مختصر رحلة الشهاب إلى لقاء الأحباب 1611-1613، أحمد بن قاسم الحجري/أفوقاي، و"صبح البشكنسية أو الأندلس على عهد الحكم المستنصر والدولة العامرية"، سيمون الحايك،و"حركة المقاومة العربية الإسلامية في الأندلس بعد سقوط غرناطة"، عبد الواحد ذنون طه، و"الأندلسيون المواركة"، عادل سعيد بشكوي.
فالباحث الأسباني الراحل "غوثاليس بوستو" يؤكد: إن قراءة تاريخ ضفتي مضيق جبل طارق في القرن السادس عشر يدل على أن تاريخهما لا يمكن فصله، وعليه فإن دراسة تاريخ المغرب العربي ليست من باب التعرف على الآخر، بل هى ضرورة للتعرف على الذات. ومن باب نقد الذات: عاب هذا الباحث على المؤرخين الأسبان فى القرن السادس عشر عدم الاهتمام بمشكلة الأسبان المسلمين الذين عبروا المضيق واستقروا في شمال إفريقيا. أما المستعرب الإسباني "سيرافين كالديرون" فسبق إلي المناداة بدراسة الثقافة الموريسكية فى الشمال المغربي للتعرف على تاريخ إسبانيا بشكل كامل.ويلفت النظر في كتابات المؤرخين الأسبان رجوعهم إلى المصادر العربية كابن الخطيب وابن خلدون ، بالإضافة إلى ما خلّفه الكتّاب الأسبان المعاصرون لهما.
إن كثيرا من كبار المتخصصين (كالإسباني: دومينقير هورتز، والفرنسي: برنارد بنثنت وغيرهم) تبدو أعمالهم البحثية كـ "صورة من تأنيب الضمير الإنساني" الذي حمله الإسبانيون عبر أجيال، عارضين فيها ما كان منهم "مؤيداً" للطرد متعصب، و"مُبرراً" يحاول أن يلتمس الأعذار.. أو "معتذراً/ يدين" تلك الممارسات الظالمة.
جملة القول: هذا تطواف سريع لمعاناة الموريسكيين، هذا الشعب الأندلسي المسلم ابتداء من سقوط غرناطة عام 1492م، وحتى طرد بقايا هذا الشعب المنكوب من إسبانيا عام 1608م. وكثيرة هي الوثائق والإفادات الإسبانية والإسلامية، التي تعرض بشيء من الموضوعية لهذا الأمر.. إنصافاً لشعب عاني بسبب دينه ما عاني، وما زال ينتظر رد الاعتبار له.
Prof. Dr. Nasser ِAhmed Senna بقلم: أ.د. ناصر أحمد سنه
كاتب وأكاديمي من مصر.
E.mail:nasenna62@hotmail.com